ولقد كان رد قومه عليهوهو مثل من الرسل الذين جاءوا بعد نوحكرد قوم نوح فقال تعالى عنهم:
{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ( 33 )} .
وصف الله الذين كفروا وكذبوا بثلاث صفات هي الصفات الملازمة لمعارضي الأنبياء ومعانديهم ، الصفة الأولى:أنهم من الملأ ، أي من أشراف قومه وبطانة الرؤساء والكبراء ، وليسوا من الضعفاء ولا الفقراء والعبيد ، الصفة الثانية:أنهم كذبوا بلقاء الآخرة ، لا يؤمنون بالبعث والنشور ، لأنهم استغرقتهم المادة ، فلا يؤمنون بالبعث ، ولا يصدقون إلا المحسوس الذي يرونه ، ومن لا يؤمن إلا بما يحس فقلبه أعمى وعقله في ضلال ، وهو كالأنعام بل أضل سبيلا ، وقوله تعالى:{ وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ} من إضافة المصدر إلى ظرفه ، أي اللقاء الذي يكون في الآخرة ، وهو لقاء الحساب والعقاب والثواب ، ولقاء ملائكة العذاب ، أي أنه يلقى كل في الآخرة كل ما هو شقاء مرهوب .
والصفة الثالثة:قوله تعالى{ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} والترف التوسع في النعيم ، وأترفوا في الحياة الدنيا معناها وسع لهم فيها ، ونالوا نعيمها ، وذكر{ الحياة الدنيا} إشارة إلى أنهم ينعمون في الحياة الدنيا ، ولم يلهموا شكر النعمة فيها ؛ لأنهم لو ألهموا الشكر ، لوسعت عليهم النعمة في الدنيا والآخرة .
وذكر الإتراف في هذه الحياة الدنيا ؛ لأن الترف فيها لا يجعلهم يعملون للآخرة ؛ إذ تلهيهم أموالهم وأولادهم عن العمل للآخرة ، كما قال الله تعالى للكافرين:{ ألهاكم التكاثر ( 1 ) حتى زرتم المقابر ( 2 )} [ التكاثر] ؛ ولأن الترف من غير إيمان يجعل النفس مائعة غير جادة إلا فيها يعي جمع المال ؛ ولأن كثرة المادة تمنع إدراك معاني الإيمان لأن المادة تستغرق الإدراك ، وأساس الإيمان هو الإيمان بالغيب ، وبما وراء الحس ، ولا يكون ذلك إلا بقلب مملوء بالرحمة والمعاني الإنسانية السامية .
ومع هذه الأوصاف نجد سبب إنكارهم أنه بشر مثلهم ، فيقولون في تكذيبهم:{ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} فهم أولا يحكمون بالمثلية لهم ، وفي ذلك إشعار بأنهم ينفسون عليه مكانته من النبوة دونهم ، وأن ذلك يومئ بحقدهم عليه ، وحسدهم له على ما آتاه الله تعالى من فضله ، ووضحوا هذه المثلية بقوله تعالى عنهم:{ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} فأقيستهم مادية صرفة ، ولا يؤمنون بمعنى من المعاني العالية