{وَقَالَ الْمَلاَُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الآخرةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَياةِ الدنيا} ،وتحوّل الترف عندهم إلى طبقيّة تتجلى في النظرة الفوقية إلى من هم دونهم في المستوى الاقتصادي ،وإلى قيمةٍ اجتماعية ذات امتيازات خاصة تغريهم بالمحافظة على عاداتهم وتقاليدهم ،وتمنعهم من الاقتناع بأيّة دعوةٍ إصلاحيّةٍ ،خطها التوحيد والاعتراف بحرية الإنسان وحقه في احترام إنسانيته ،دون أن يكون للجاه والمال والنسب أية علاقة في ذلك ،ولذلك كانوا يواجهون أيّة دعوةٍ رساليّةٍ بالكفر والجحود ،وكانوا يرفضون التوحيد لله الذي قد يفقدون معه الكثير من امتيازاتهم الطبقية ،لأن أمثال هؤلاء الغارقين بأجواء الترف واللهو والعبث لا ينطلقون في مواقفهم من مواقع فكرية ،بل من مواقع طبقيّة ..
وهذا ما جعلهم يكذّبون الرسول ويعلنون الكفر ويعملون على إثارة عواطف الناس الذاتية ضده بأنه مثلهم في الشكل والعادات ،فكيف يقبلون أن يتقدم عليهم دون أن تكون له أيّة ميزة خاصة ؟!وفي ذلك محاولة استثارة الزهو الذاتي وانتفاخ الشخصية لاستيلاد العداء الشخصي ضد الرسول بعيداً عن أيّة إثارةٍ فكرية ..وذلك من خلال المقولة التالية المماثلة لما كان يثيره قوم نوح:{مَا هذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُون} ،وربما تضمنت الإشارة إلى مسألة المساواة في الأكل والشرب بعض الإيحاء بأن المساواة في القضايا الحسّية تفرض مساواة في القضايا المعنوية ،باعتبار أن ذلك الجانب المادي من الحياة هو مقياس التقييم لدى الناس ..