ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك- وللمرة الخامسة- بعض شبهاتهم وأباطيلهم فقال:
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً....
أى:وقال الذين كفروا بالحق الذي جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم:هلا نزل هذا القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلّم جملة واحدة، دون أن ينزل مفرقا كما نراه ونسمعه.
وقولهم هذا دليل على سوء أدبهم فقد طلبوا ما لا يعنيهم. واقترحوا شيئا لا مدخل لهم فيه،ولا علم عندهم بحكمته، ولذا رد سبحانه عليهم بقوله:كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ والكاف بمعنى مثل، والجار والمجرور نعت لمصدر محذوف مع عامله. وقوله:لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ تعليل للعامل المحذوف.
فالجملة الكريمة استئناف مسوق للرد عليهم، ولبيان بعض الحكم في نزول القرآن مفرقا.
وقوله- سبحانه-:وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا معطوف على الفعل المحذوف. والتنكير في «ترتيلا» للتفخيم والتعظيم. وأصل الترتيل، عدم التلاصق. يقال، ثغر مرتل. أى مفلج الأسنان غير متلاصقها.
أى:نزلناه مفرقا، ورتلناه ترتيلا بديعا، بأن قرأناه عليك بلسان جبريل شيئا فشيئا، على تؤدة وتمهل، وجعلنا بعضه ينزل في إثر بعض.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه:وقوله «كذلك» جواب لهم، أى:كذلك أنزلناه مفرقا، والحكمة فيه:أن نقوى بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه..
فإن قلت:ذلك في كذلك يجب أن يكون إشارة إلى شيء تقدمه، والذي تقدمه هو إنزاله جملة واحدة فكيف فسرته بكذلك أنزلناه مفرقا؟.
قلت:لأن قولهم:لولا أنزل عليه القرآن جملة، معناه:لماذا أنزل مفرقا، والدليل على فساد هذا الاعتراض أنهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه.. فكأنهم قدروا على تفاريقه حتى يقدروا على جملته .