قوله تعالى:{وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ( 32 ) ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ( 33 ) الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ( 34 )} .
هذه الآية جاءت ردا لمقالة المشركين من قريش واليهود إذا اعترضوا قائلين ( لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ) ( جملة ) ،منصوب على الحال من القرآن ،أي مجتمعا .يعني هلا أنزل هذا القرآن على محمد دفعة واحدة وفي وقت واحد كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور وغير ذلك من الكتب السماوية ،فلم ينزل منجما على التفاريق .لا جرم أن هذا اعترضا جهول وتعنت بالغ الإسفاف ،فضلا عن كونه ضربا من الاعتراض الفضولي الفارغ ،الذي لا طائل تحته وليس من ورائه أيما فائدة معتبرة .
ويُحتج على هؤلاء المعاندين الجهلة بأن الإعجاز في القرآن لا يختلف بنزوله جملة واحدة .فيستوي في كونه معجزا أن ينزل مفرقا على نجوم ،أو أن ينزل دفعة واحدة .بل إن نزوله مفرقا على نجوم أظهر في الإعجاز وأبلغ في الدلالة على كونه من عند الله .ووجه ذلك: أنهم كانوا مطالبين بمعارضة سورة واحدة من القرآن أيا كانت هذه السورة .فلو نزل جملة واحدة وطُولبوا بمعارضته لكانوا أشد عجزا منهم حين طولبوا بمعارضة سورة واحدة فعجزوا .
قوله: ( كذلك لنثبت به فؤادك ) الكاف في محل نصب صفة لمصدر محذوف .والإشارة عائدة إلى التفريق .وقيل: الكاف في محل نصب على الحال ؛أي أنزل مثل ذلك التفريق ( لنثبت به فؤادك ) اللام للتعليل .أي لنقوي بتفريقه فؤادك لكي تعيه وتحفظه .فالمتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شيء وجزءا عقيب جزء .ولو ألقي عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه .ومن أجل ذلك نزل عليه منجما في عشرين سنة أو في ثلاث وعشرين .فكان ينزل عليه حسب الحوادث وأجوبة للسائلين .
قوله: ( ورتلناه ترتيلا ) الترتيل: التفريق ومجيء الكلمة بعد الأخرى بسكون يسير دون قطع النفس .أو التبيين والتفسير في ترسل وتثبت .