المفردات:
جملة واحدة: دفعة واحدة
لنثبت: لنقوي ونطمئن .
رتلناه: أتينا ببعضه إثر بعض ،على تؤدة ومهل ،من قولهم: ثغر مرتل ،أي: متفلج الأسنان .
التفسير:
32-{وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا} .
تفنن الكافرون في اعتراضاتهم على القرآن والرسالة ،وفيما سبق طلبوا نزول الملائكة ،ورؤية الله تعالى ،وهنا ،يعترضون على نزول القرآن مفرقا ،في ثلاث وعشرين سنة ،ويقولون: لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة ،كما نزلت التوراة والإنجيل والزبور ؟ويجيب القرآن بالحكمة من نزوله مفرقا منجما ،وهي .
1- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم ،برؤية جبريل سفيرا عن الله في أحيان كثيرة .
2- ليتم التحدي والإعجاز ببعض سور القرآن ،فإذا عجزوا عن بعض القرآن ،كانوا عن الكلّ أعجز .
3- استمرار مناقشة الكافرين ،ومناقضة حججهم .
4- تربية المسلمين ورعايتهم والتشريع لهم ،والتدرج في ذلك التشريع بما يناسب أحوالهم .
5-علم الله أن هذا الكتاب ،آخر الكتب السماوية نزولا إلى الأرض ،فشاء الله أن ينزله منجما متفرقا ،يواكب حياة المسلمين في مكة ،ويحثهم على الصبر ،ويحكي لهم خبر الأمم السابقة ،ثم يواكب حياة المسلمين في المدينة ،ويرصد جهادهم ،ويشرّع لهم ،ويراقب المنافقين ويحذر المسلمين من فتنتهم .وبذلك يكون القرآن الكريم كتاب الحياة ،والتربية والجهاد ،شأن الأوامر اليومية ،التي توزع على الجنود في كتيبتهم ،فيطيعونها وينفذونها ،ويتخلقون بأخلاق القرآن ،على تؤدة وتمهل ،وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها ،عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فقالت: كانت خلقه القرآن6 .
قال تعالى:{وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} [ الإسراء: 106] .
أي: فرقنا القرآن ليثبت قلوب المؤمنين ،ويتعهدهم بين الفينة والفينة ،ولو نزل جملة واحدة ،لكان كتاب علم أو معرفة أو متعة ،وقد أراد الله أن يكون كتاب حياة ،ومنهج عمل ،وتشريعا وتربية وسلوكا وبعثا ،وتدريبا على الامتثال والتحمل ،والطاعة والخيرية والوسطية .
قال تعالى:{وكذلك أوحيا إليك روحا من أمرنا ..} [ الشورى: 52] .
وقال سبحانه:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ...} [ البقرة: 143] .