ثم حكى- سبحانه- ما قاله أولئك الكافرون فيما بينهم، على سبيل الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال- تعالى-:وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ....
وتمزيق الشيء:تخريقه وجعله قطعا قطعا. يقال:ثوب ممزق ومزيق. إذا كان مقطعا مخرقا. والمراد بالرجل:الرسول صلى الله عليه وسلم.
أى:وقال الذين كفروا بعضهم لبعض، ألا تريدون أن ندلكم ونرشدكم إلى رجل، هذا الرجل يخبركم ويحدثكم، بأنكم إذا متم، وفرقت أجسامكم في الأرض كل تفريق، وصرتم رفاتا وعظاما، وأصبحتم طعاما في بطون الطيور والوحوش.
إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أى:إنكم بعد هذا التمزيق والتفريق، تخلقون خلقا جديدا، وتعودون إلى الحياة مرة أخرى، للحساب على أعمالكم التي عملتموها في حياتكم.
وقالوا:هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ وهو صلى الله عليه وسلم أشهر من نار على علم بينهم، لقصد تجاهل أمره، والاستخفاف بشأنه، والاستهزاء بدعوته.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال:فإن قلت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورا علما في قريش، وكان إنباؤه بالبعث شائعا بينهم، فما معنى قولهم:هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ فنكروه لهم، وعرضوا عليهم الدلالة عليه كما يدل على مجهول في أمر مجهول؟
قلت:كانوا يقصدون بذلك الطّنز- أى:الاستخفاف والسخرية- فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجى التي يتحاجى بها للضحك والتلهي، متجاهلين به وبأمره.
وقال الآلوسى- رحمه الله-:وقوله:يُنَبِّئُكُمْ أى يحدثكم بأمر مستغرب عجيب ... وإذا في قوله:إِذا مُزِّقْتُمْ شرطية، وجوابها محذوف لدلالة ما بعده عليه.
أى:تبعثون أو تحشرون، وهو العامل في «إذا» على قول الجمهور. والجملة الشرطية بتمامها معمولة لقوله:يُنَبِّئُكُمْ لأنه في معنى يقول لكم إذا مزقتم كل ممزق تبعثون، ثم أكد ذلك بقوله- تعالى-:إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ.