ثم أخذ في تذكيرهم بنعم الله عليهم، وفي تحذيرهم من نقمه فقال:يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا.
أى:وقال الرجل المؤمن لقومه- أيضا-:يا قوم، أى:يا أهلى ويا عشيرتي، أنتم اليوم لكم الملك، حالة كونكم ظاهرين، أى:غالبين ومنتصرين في أرض مصر، عالين فيها على بني إسرائيل قوم موسى.
وإذا كان أمرنا كذلك، فمن يستطيع أن ينصرنا من عذاب الله، إن أرسله علينا، بسبب عدم شكرنا له، واعتدائنا على خلقه.
وإنما نسب إليهم ما يسرهم من الملك والظهور في الأرض دون أن يسلك نفسه معهم، وسلك نفسه معهم في موطن التحذير، تطييبا لقلوبهم، وإيذانا بأنه ناصح أمين لهم، وأنه لا يهمه سوى منفعتهم ومصلحتهم..
وهنا نجد القرآن الكريم يخبرنا بأن فرعون بعد أن استمع إلى نصيحة الرجل المؤمن، أخذته العزة بالإثم، وقال ما يقوله كل طاغية معجب بنفسه:ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى، وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ.
أى:قال فرعون لقومه، في رده على نصيحة الرجل المؤمن:يا قوم لا أشير عليكم ولا أخبركم إلا بما أراه صوابا وخيرا، وهو أن أقتل موسى- عليه السلام- وما أهديكم برأيى هذا إلا إلى طريق السداد والرشاد.
وغرض فرعون بهذا القول، التدليس والتمويه على قومه. وأنه ما يريد إلا منفعتهم، مع أن الدافع الحقيقي لقوله هذا، هو التخلص من موسى حتى يخلو له الجو في تأليه نفسه على جهلة قومه، فإنهم كانوا كما قال- تعالى- في شأنهم:فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ.