ثم بين- سبحانه- أن هذا القرآن هو المهيمن على الكتب السماوية التي سبقته فقال- تعالى-:وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً ...
أى:ومن قبل هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم كان كتاب موسى وهو التوراة إِماماً يهتدى به في الدين وَرَحْمَةً من الله- تعالى- لمن آمن به.
وقوله:وَمِنْ قَبْلِهِ خبر مقدم، وكِتابُ مُوسى مبتدأ مؤخر، وقوله:إِماماً وَرَحْمَةً حالان من كِتابُ مُوسى..
والمقصود من هذه الجملة الكريمة، الرد على قولهم في القرآن هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ فكأنه- تعالى- يقول لهم:كيف تصفون القرآن بذلك، مع أنه قد سبقه كتاب موسى الذي تعرفونه، والذي وافق القرآن في الأمر بإخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، وفي غير ذلك من أصول الشرائع..
ثم مدح- سبحانه- هذا القرآن بقوله:وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا، لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ.
أى:وهذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم مصدق لكتاب موسى الذي هو إمام ورحمة، ومصدق لغيره من الكتب السماوية السابقة وأمين عليها، وقد أنزلناه بلسان عربي مبين، امتنانا منا على من بعث الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيهم وهم العرب.
وقد اقتضت حكمتنا أن نجعل من وظيفة هذا الكتاب:الإنذار للظالمين بسوء المصير إذا ما أصروا على ظلمهم، والبشارة للمحسنين بحسن عاقبتهم بسبب إيمانهم وإحسانهم.
فاسم الإشارة في قوله:وَهذا يعود للقرآن الكريم، وقوله مصدق صفة لكتاب.
وقوله لِساناً عَرَبِيًّا حال من الضمير في «مصدق» الذي هو صفة للكتاب والضمير في «لينذر» يعود إلى الكتاب، و «الذين ظلموا» مفعوله. أى:لينذر الكتاب الذين ظلموا، وقوله:وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ في محل نصب عطفا على محل «لينذر» .
وقال- سبحانه- في صفة هذا الكتاب مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا ولم يقل:مصدق لكتاب موسى، للتنبيه على أنه مصدق لكتاب موسى ولغيره من الكتب السماوية السابقة.
والتعبير بقوله لِساناً عَرَبِيًّا فيه تكريم للعرب، وتذكير لهم بنعمة الله عليهم، حيث جعل القرآن الذي هو أجمع الكتب السماوية للهدايات والخيرات بلسانهم، وهذا يقتضى إيمانهم به، وحرصهم على اتباع إرشاداته.
وقوله- تعالى-:لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ بيان لوظيفة هذا الكتاب، وتحديد لمصير كل فريق، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من من حي عن بينة.