ثمّ تطرقت الآية إلى دليل آخر لإثبات كون القرآن حقاً ،ولنفي تهمة المشركين إذ كانوا يقولون: هذا إفك قديم ،فقالت: إنّ من علامات صدق هذا الكتاب العظيم أنّ كتاب موسى الذي يعتبر إماماً أي قدوة للناس ورحمة قد أخبر عن هذا النبي وصفاته .وهذا القرآن أيضاً كتاب منسجم في آياته وفيه العلائم المذكورة في التوراة: ( ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة وهذا كتاب مصدق ) وإذا كان الأمر كذلك ،فكيف تقولون: هذا إفك قديم ؟
لقد أكّد القرآن في آياته مراراً على أنّه مصدق للتوراة والإنجيل ،أي إنّه يتفق مع العلامات والصفات التي وردت في هذين الكتابين السماويين حول نبيّ الإسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد كانت هذه العلامات دقيقة إلى الحد الذي يقول القرآن الكريم:
( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ){[4381]} .
وقد ورد نظير معنى الآية مورد البحث في الآية ( 17 ) من سورة هود: ( أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة أولئك يؤمنون به ) .
والتعبير ب ( إماماً ورحمة ) يحتمل أن يكون من جهة أن ذكر الإمام يستدعي أحياناً أن تخطر في الذهن مسألة التكليف الشاق الصعب ،نتيجة الذكريات التي كانت لديهم عن أئمتهم ،إلاّ أنّ ذكر الرحمة يبدل هذا الخطور الذهني إلى ما يبعث على الاطمئنان ،فهو يقول: إنّ هذا الإمام توأم الرحمة ومقترن بها ،فحتى إذا أتاكم بالتكاليف والأوامر فهي رحمة أيضاً ،وأي رحمة أعم وأسمى من تربية نفوس هؤلاء القوم ؟!
ثمّ تضيف بعد ذلك: ( لساناً عربياً ) يفهمه الجميع ويستفيدون منه .
ثمّ تبيّن في النهاية الهدف الرئيسي من نزول القرآن في جملتين قصيرتين ،فتقول: ( لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين )وإذا لاحظنا أنّ جملة ( ينذر ) مضارعة تدل على الاستمرار والدوام ،فسيتّضح أنّ إنذار القرآن كبشارته دائمي مستمر ،فهو يحذر الظالمين والمجرمين على مدى التأريخ ويخوفهم وينذرهم ،ويبشر المحسنين على الدوام .
وممّا يلفت النظر أنّ الآية جعلت الظالمين في مقابل المحسنين لأنّ للظلم هنا معنى واسعاً يشمل كلّ إساءة ومخالفة ،ومن الطبيعي أنّ الظلم إمّا بحق الآخرين أو بحق النفس .