قال الآلوسى:أخرج ابن إسحاق وجماعة عن ابن عباس قال:كان رفاعة بن زيد بن التابوت، وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما.
فأنزل الله- تعالى-:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا ... الآية .
والدين:هو ما عليه المرء من عقائد وأعمال ناشئة عن العقيدة. فهو عنوان عقل المتدين، ورائد آماله، وباعث أعماله. والذي يتخذ دين امرئ هزوا ولعبا، فقد اتخذ ذلك المتدين بهذا الدين هزوا ولعبا.
وقوله:هُزُواً أى سخرية يقال:فلان هزئ من فلان إذا سخر منه، واستخف به.
وأصله هزءا، فأبدلت الهمزة واوا لضم ما قبلها.
وقوله:لَعِباً أى ملهاة وعبثا. وأصله من لعاب الطفل. يقال عن الطفل لعب- بفتح العين- إذا سال لعابه.
والمعنى:يا أيها الذين اتصفوا بالإيمان لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ الذي هو سر سعادتكم وعزتكم هُزُواً وَلَعِباً أى:اتخذوا مادة لسخريتهم وتهكمهم، وموضعا لعبثهم ولهوهم.
ومِنَ في قوله:مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ بيانية.
أى:مبينة لأولئك الذين يستهزئون بدين الله ويجعلونه موضع عبثهم.
والمراد بالذين أوتوا الكتاب:اليهود والنصارى.
وسموا بذلك لأن أصل شرعهم ينتمى إلى كتاب منزل هو التوراة والإنجيل.
وفي وصفهم بذلك هنا، توبيخ لهم، حيث إنهم استهزءوا بالدين الحق، مع أن كتابهم ينهاهم عن ذلك.
والمراد بالكفار هنا المشركون الذين لا كتاب لهم.
وقرأ الجمهور الْكُفَّارَ بالنصب عطفا على الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ المبين بقوله:مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.
وقرأ أبو عمرو والكسائي الْكُفَّارَ بالجر عطفا على الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ.
وقوله:أَوْلِياءَ أى:نصراء وأصفاء. وهو المفعول الثاني لقوله لا تَتَّخِذُوا والآية الكريمة تنهى المؤمنين عن ولاية كل عدو لله- تعالى- ولهم سواء أكان هذا العدو من أهل الكتاب أم من المشركين لأن الجميع يشتركون في الاستهزاء بتعاليم الإسلام، وفي العبث بشعائره.
وقوله:وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ تذييل قصد به استنهاض همتهم لامتثال أمر الله- تعالى- وإلهاب نفوسهم حتى يتركوا موالاة أعدائهم بسرعة ونشاط.
أى:واتقوا الله في سائر ما أمركم به وما نهاكم عنه، فلا تضعوا موالاتكم في غير موضعها، ولا تخالفوا لله أمرا. إن كنتم مؤمنين حقا، ممتثلين صدقا، فإن وصفكم بالإيمان يحتم عليكم الطاعة التامة لله رب العالمين.