نهى الله تعالى عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين معللا له بأن بعضهم أولياء بعض لا يوالي المؤمنين منهم أحد ، ولا يواليهم ممن يدعون الإيمان إلا مرضى القلوب والمنافقون الذين يتربصون الدوائر بالمؤمنين .ثم أعاد النهي عن اتخاذهم أولياء واصفا إياهم بوصف آخر مما كانوا يؤذون به المؤمنين ويقاومون دينهم ، وعطف عليهم الكفار والمراد بهم مشركو العرب – فقال:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ} قرأ أبو عمرو والكسائي ( الكفار ) بالجر عطفا على ( الذين أوتوا الكتاب ) والباقون بالنصب عطفا على ( الذين اتخذوا ) ، والفرق بينهما أن قراءة الجر تفيد أن الكفار أي المشركين الذين اتخذوا دين المسلمين هزوا ولعبا لا تباح ولايتهم .وقراءة النصب تفيد أن جميع المشركين لا يتخذون أولياء بحال من الأحوال .وأما أهل الكتاب فإنما ينهى عن موالاتهم لوصف فيهم ينافي الموالاة .كاتخاذهم دين الإسلام هزؤا ولعبا أي شيئا يمزح به ويسخر منه .فلا تنافي بين القراءتين .ولكن قراءة النصب فيها زيادة معنى .وحكمة قراءة الجر أنه كان يوجد من المشركين من يهزأ بدين الإسلام ويعبث به ، فقراءة الجر نص في النهي عن موالاة هؤلاء لوصفهم هذا .وقراءة النصب لإفادة النهي عن موالاة جميع المشركين ، لأن موالاة المسلمين لهم بعد أن أظهرهم الله عليهم بفتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا تكون قوة لهم ، وإقرارا على شركهم ، الذي جاء الإسلام لمحوه من جزيرة العرب .
وأما أهل الكتاب فسياسة الإسلام فيهم غير سياسته في مشركي العرب ، ولذلك أجاز في هذه السورة – وهي من آخر ما نزل من القرآن – أكل طعامهم ونكاح نسائهم ، وشرع في سورة التوبة قبول الجزية منهم وإقرارهم على دينهم ، ونهى في سورة العنكبوت عن مجادلتهم إلا بالتي هي أحسن .وفي الآية تمييزهم على المشركين في إطلاق اللقب ، إذ خصمهم في المقابلة بلقب أهل الكتاب ، ولقب المشركين بالكفار .كما يعبر عنهم في آيات أخرى بالمشركين والذين أشركوا .لأنهم لوثنيتهم عريقون في الكفر والشرك وأصلاء فيه .وأما أهل الكتاب فكان قد عرض الشرك والكفر للكثيرين منهم عروضا وليس من أصل دينهم ، ثم لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ازداد المعاندون منهم كفرا بجحود نبوته وإيذائه .
{ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي واتقوا الله في أمر الموالاة فلا تضعوها في غير موضعها ، فينقلب الغرض إلى ضده ، فتكون وهنا لكم لا نصرا – وكذا في سائر الأوامر والنواهي – إن كنتم مؤمنين صادقين في إيمانكم تحفظون كرامته ، وتتجنبون مهانته .