«عسى» فعل مقاربة يدل على الرجاء، وإذا صدر من الله- تعالى- كان متحقق الوقوع، لصدوره من أكرم الأكرمين.
قال صاحب الكشاف:«عسى» وعد من الله على عادات الملوك، حيث يقولون في بعض الحوائج:عسى أو لعل، فلا تبقى شبهة للمحتاج في تمام ذلك، أو قصد به إطماع المؤمنين .
وقال الجمل في حاشيته:لما أمر الله المؤمنين بعداوة الكفار، عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين وأظهروا لهم العداوة والبراءة. وعلم الله شدة ذلك على المؤمنين، فوعد- سبحانه- المسلمين بإسلام أقاربهم الكفار، فيوالونهم موالاة جائزة، وذلك من رحمته- سبحانه- بالمؤمنين، ورأفته بهم، فقال:عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً.
والمعنى:عسى الله- تعالى- أن يجعل بينكم- أيها المؤمنون- وبين الذين عاديتموهم من أقاربكم الكفار، مودة ومحبة.. بأن يهديهم إلى الدخول في دين الإسلام، فتتحول عداوتكم لهم، إلى أخوة صادقة. وصلة طيبة، ومحبة شديدة.
وقد أنجز الله- تعالى- وعده، فهدى كثيرا من كفار قريش إلى الدخول في الإسلام،والتقوا هم وأقاربهم الذين سبقوهم إلى الإسلام، على طاعة الله ومحبته، والدفاع عن دينه، وبذل أنفسهم وأموالهم في سبيله.
وَاللَّهُ قَدِيرٌ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أى:والله- تعالى- شديد القدرة على أن يغير أحوال القلوب، فيصبح المشركون مؤمنين، والأعداء أصدقاء، والله- تعالى- واسع المغفرة والرحمة، لمن استجاب لأمره ونهيه، وأقلع عن المعصية إلى الطاعة، ونبذ الكفر وتحول إلى الإيمان.
فالآية الكريمة بشارة عظيمة للمؤمنين، بأنه- سبحانه- كفيل بأن يجمع شملهم بكثير من أقاربهم الكافرين، وبأن يحول العداء الذي بينهم، إلى مودة ومحبة، بسبب التقاء الجميع على طاعة الله- تعالى- وإخلاص العبادة له.
وقد تم ذلك بصورة موسعة، بعد أن فتحت مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا.