يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين:( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ) أي:محبة بعد البغضة ، ومودة بعد النفرة ، وألفة بعد الفرقة . ( والله قدير ) أي:على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة ، والمتباينة ، والمختلفة ، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة ، فتصبح مجتمعة متفقة ، كما قال تعالى ممتنا على الأنصار:( واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) الآية [ آل عمران:103] . وكذا قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -:"ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟ ". وقال الله تعالى:( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ) [ الأنفال:62 ، 63] . وفي الحديث "أحبب حبيبك هونا ما ، فعسى أن يكون بغيضك يوما ما . وأبغض بغيضك هونا ما ، فعسى أن يكون حبيبك يوما ما ". وقال الشاعر
وقد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن ألا تلاقيا
وقوله تعالى:( والله غفور رحيم ) أي:يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له ، وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه ، من أي ذنب كان .
وقد قال مقاتل بن حيان:إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه .
وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر ; فإن رسول الله تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف . وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث قال:
قرئ على محمد بن عزيز:حدثني سلامة ، حدثني عقيل ، حدثني ابن شهاب ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا ، فقاتله ، فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين . قال ابن شهاب:وهو ممن أنزل الله فيه:( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ) .
وفي صحيح مسلم ، عن ابن عباس:أن أبا سفيان قال:يا رسول الله ، ثلاث أعطنيهن . قال:"نعم ". قال:وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال:"نعم ". قال:ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك . قال:"نعم ". قال:وعندي أحسن العرب وأجمله ، أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . . . الحديث . وقد تقدم الكلام عليه .