وقوله- سبحانه-:لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ تأكيد لقوله- تعالى- قبل ذلك:قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ والغرض من هذا التأكيد، تحريض المؤمنين على التأسى بالسابقين في قوة إيمانهم وشدة إخلاصهم.
أى:لقد كان لكم- أيها المؤمنون- أسوة حسنة، وقدوة طيبة، في أبيكم إبراهيم- عليه السلام- وفيمن آمن به، وهذه القدوة إنما ينتفع بها من كان يرجو لقاء الله- تعالى- ورضاه، ومن كان يرجو ثوابه وجزاءه الطيب.
وجيء بلام القسم في قوله:لَقَدْ كانَ لَكُمْ.. على سبيل المبالغة في التأكيد بوجوب التأسى بإبراهيم، وبمن آمن معه.
وجملة لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ بدل من قوله لَكُمْ بدل اشتمال.
وفائدة هذا البدل:الإيذان بأن من يؤمن بالله واليوم الآخر، لا يترك الاقتداء بإبراهيم- عليه السلام- وبمن آمن معه، وأن ترك ذلك من علامات عدم الإيمان الحق.
كما ينبئ عنه التحذير في قوله- تعالى- بعد ذلك:وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.
أى:ومن يعرض عن هذا التأسى، فوبال إعراضه عليه وحده، فإن الله- تعالى- هو الغنى عن جميع خلقه، الحميد لمن يمتثل أمره.
والمتدبر في هذه الآيات الكريمة، من أول السورة إلى هنا، يجد أن الله- تعالى- لم يترك وسيلة للتنفير من موالاة أعدائه، إلا أظهرها وكشف عنها.
ثم فتح- سبحانه- لعباده باب رحمته وفضله، فبشرهم بأنه قد يهدى إلى الإسلام قوما من الأعداء الذين تربط بينهم وبين المؤمنين رابطة الدم والقرابة وحدد لهم القواعد التي عليها يبنون مودتهم وعداوتهم لغيرهم، فقال- تعالى-: