والمعنى:قل يا محمد لهؤلاء الذين ضيقوا على أنفسهم ما وسعه الله، قل لهم:إن ما حرمه الله عليكم في كتبه وعلى ألسنة رسله هو هذه الأنواع الخمس التي أولها الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، أى:ما كان قبيحا من الأقوال والأفعال سواء أكان في السر أو العلن، وثانيها وثالثها الْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ والإثم:هو الشيء القبيح الذي فعله يعتبر معصية، والبغي:هو الظلم والتطاول على الناس وتجاوز الحد.
قال الإمام ابن كثير:«وحاصل ما فسر به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه، والبغي هو التعدي على الناس، فحرم الله هذا وهذا».
وقيد البغي بكونه بغير الحق، لأنه لا يكون إلا كذلك. إذ معناه في اللغة تجاوز الحد. يقال:
بغى الجرح. إذ تجاوز الحد في فساده.
وقيل قيده بذلك ليخرج البغي على الغير في مقابلة بغيه، فإنه يسمى بغيا في الجملة. لكنه بحق، وهو قول ضعيف لأن دفع البغي لا يسمى بغيا، وإنما يسمى انتصافا من الظالم، ولذا قال القرآن:وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ.
وقيل إن القيد هنا لإخراج الأمور التي ليس لهم فيها حقوق، أو التي تطيب أنفسهم فيها عن بعض حقوقهم فيبذلونها عن رضى وارتياح لمنفعة أو مصلحة لهم يرجونها ببذلها.
ورابع الأمور التي حرمها الله أخبر عنه القرآن بقوله:وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً.
أى:وحرم عليكم أن تجعلوا لله شركاء في عبادته بدون حجة وبرهان. وقوله:ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً بيان للواقع من شركهم، إذ أنهم لا حجة عندهم على شركهم:لا من العقل ولا من النقل، فالجملة الكريمة قد اشتملت على التهكم بالمشركين وتوبيخهم على كفرهم.
وخامسها قوله- تعالى-:وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أى:حرم عليكم أن تقولوا قولا يتعلق بالعبادات أو المحللات أو المحرمات أو غيرها بدون علم منكم بصحة ما تقولون، وبغير بينة على صدق ما تدعون.
قال صاحب المنار:«ومن تأمل هذه الآية حق التأمل، فإنه يجتنب أن يحرم على عباد الله شيئا ويوجب عليهم شيئا في دينهم بغير نص صريح عن الله ورسوله، بل يجتنب- أيضا- أن يقول:هذا مندوب أو مكروه في الدين بغير دليل واضح من النصوص، وما أكثر الغافلين عن هذا المتجرئين على التشريع».
وبعد أن بين القرآن ما أحله الله وما حرمه. عقب على ذلك بأن بين أن أجل الناس في هذه الدنيا محدود، وأنهم إن آجلا أو عاجلا سوف يقفون أمام ربهم للحساب فقال: