{ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون 33 )} .
حرم المشركون أو بعضهم اللبس في الطواف ، وحرموا بعض الأطعمة ، وأباح الله تعالى ذلك للمسلمين في غير إسراف ولا لتفاخر ، بل بتجمل وتستر ، بعد ذلك بين الله ما حرمه على الناس ، وتحريمه مستمد من الفطرة ؛ ولذا أمر الله تعالى نبيه أن يبنى لهم ما حرم والفطرة تحرمه . قال عز من قائل:{ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق} .
أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله{ قل} ؛ لأنه مبين شريعة القرآن ، والمبلغ لها ، وبين لهم قصر التحريم على الفواحش والإثم والبغي ، والشرك والكذب على الله .
و{ إنما}:للقصر أي أن التحريم مقصور على هذه المحرمات كلها ، وأهل الشرك ما كانوا يتحرجون عنها بل ارتكبوها كلها ، وقال سبحانه:{ حرم ربي} للإشارة إلى أن المحرم هو رب الوجود ورب الإنسان الذي يعلم الفطرة ، وفي ذلك إشارة إلى أن الذي حرم هذا ، إنما حرمه متسقا مع الفطرة التي فطر الناس عليها ، وهو رب كل شيء ، والفواحش هي الأمور التي تفحش وتزيد على الفطرة ، وهي تشمل كل المعاصي ، وخصوصا كبائر الذنوب فتشمل كل الموبقات المفسدة للنفوس والجماعات ، وبذلك كل ما يجيء من إثم وبغي يدخل في عمومها ، ويكون ذكر الإثم والبغي ، تخصيص بعد تعميم ، فيكون العطف عليها من عطف الخاص على العام .
وقد نقول:إذا اجتمعنا خصص كل واحد بمعنى ، فتخصص الفواحش بالمعاصي الصارخة التي تفسد النفس والمجتمع كالزنى ، والخمر ، والربا ، وغير ذلك ، وبعضهم خصصها بالزنى وما يتصل به من قذف للمحصنات وغير ذلك والفواحش على معناها العام والخاص يحرم ما ظهر منها وما بطن ، وما يظهر منها وما يعلن ، وجريمته جريمتان ، جريمة الفعل ، وجريمة الإعلان ، وما بطن ما استتر كاتخاذ الأخدان ، ويشمل ما بطن فسق القلوب وذلك بالعزم على فعل هو شر في ذاته ، ولكن يحول دون تنفيذه أمر فوق إرادته فهذا يكون معصية ، ولا يدخل في ضمن حديث النفس الذي تجاوزه الله عن أمة محمد ؛ لأنه حدث ونوى واعتزم التنفيذ ولكن حيل بينه وبينه بغير إرادته وعلى رغمه ، وقد تكلمنا في ذلك فيما مضى والإثم ذنب لا يتجاوز أذاه فاعله ، فهو يبطئه عن فعل الخير ، وآثامه على نفسه كشرب الخمر ، وتناول الآفات التي تضر نفسه ، ولا تتعدى إلى غيره ، وإن كانت التفرقة بينهما في بعض المجتمعات عسيرة ، والبغي هو المعصية التي تتعدى إلى غيره ، ووصفه سبحانه بقوله:{ والبغي بغير الحق} و لا يكون البغي إلا بغير الحق ، وهو تنبيه إلى ما يتضمنه البغي فهو يتضمن إثم التعدي ، وإثم أنه فعل غير الحق فهو تصريح بما هو قبيح في ذاته .
ومن البغي أكل أموال الناس بالباطل في الربا ، والرشوة والسحت ومن البغي أكل مال اليتيم ، ومن البغي النميمة والغيبة ، وأشد البغي الحكم بغير ما أنزل الله ، والحكم بين الناس بالباطل ومن أفحش البغي ظلم الحكام للرعية والغلظة عليها ، وإرهاقها ، وإيذاؤها في حرياتها ، ولقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:( اللهم من ولى من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارق به ) ( 1 ){[1100]} هذا هو القسم الأول مما حرمه الله تعالى:وهذا القسم الآتي داء الشر ؛ ولذا قال تعالى:{ وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا} .
هذا أشد المحرمات ، وهو محرم بأمر الله ، ومحرم ببديهة العقول ، حتى لقد قال العلماء:إن وحدانية الله تعالى أمر تصل إليه العقول بالبديهية أو النظر القريب .
قال تعالى:{ وأن تشركوا بالله} ، أي أن تجعلوا شريكا لله تعالى في العبادة شيئا ، أو جحرا ، أو شخصا ، لم ينزل الله به سلطانا ، ويقول العلماء:إن السلطان هنا الحجة أو الدليل .
وأرى ما رأوا ، ولكن في التعبير عن الحجة ب ( سلطان ) إشارة إلى معنى أن هذه الأوثان وما شابهها لا قدرة لها ، ولا تثبت أن لها قوة تنفع وتضر ، ومهما يكن ، فإنهم يعبدونها بالأوهام المسلطة من غير سلطان من حجة أو دليل ، ومن غير أن يعرفوا بالعيان أن لها سلطانا في الأفعال أو التوجيه في الكون ، إنما هي الأوهام التي تصورها صالحة للعبادة مع الله تعالى لا شريك له .
إن الأمور التي حرمها الله تعالى أن نقول على الله مفترين ؛ ولذا قال تعالى:{ وان تقولوا على الله ما لا تعلمون} .
هذا ثالث نوع من أنواع المحرمات ، وهو الافتراء بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون أن الله حكم به وقاله أو شرعه ، كتحريم بعض الأحكام ، وتحريم لبس اللباس في الطواف ، ويقولون أنه من عند الله ، و ما هو من عند الله . وكما قال الله – تعالى – في الآية السابقة:{ وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} ، فذلك افتراء ، وهو من أشد الافتراء{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا . . . . . . . . . . ( 93 )} الأنعام ) .