وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ( 34 ) يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( 35 ) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 36 ) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ( 37 )
لقد فعل الناس ما فعلوا في الدنيا منكرين ما أنكروا من بعث ونشور وحساب وعقاب ، ومنهم من آمن بالله وبالبعث ، وبإرادة الله تعالى الذي يختار ما يشاء ، ويبتدئ من بعد ذلك بيان الحقائق لمن آمن واهتدى ولمن ضل وغوى كتابا منشورا ويبتدئ ذلك من البعث ، وقد بين الله سبحانه وتعالى – أن الجميع إلى نهاية ومن بعدها البعث فقال تعالى:
{ ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( 34 )} ، هذا بيان نهاية كل إنسان في هذه الحياة الدنيا ، فهو يعيش إلى أجل محدود قد عينه الله تعالى له ، لا يتأخر ولا يتقدم ، وأجل الإنسان هو نهاية حياته .
وقال – سبحانه وتعالى:{ ولكل أمة أجل} ، ولم يقل لكل إنسان أجل مع أنه لكل إنسان اجل فعلا فلماذا اختار – جل جلاله – ذكر أجل الأمة تلك حكمة الله تعالى فيما يختار من بيان في الذكر الحكيم ، ونتلمس الحكمة في ذلك ، نقول:إنه – سبحانه وتعالى – ذكر الأمة ، دون الآحاد بآحادها أولا – لأنه إذا كان للأمة بآحادها وجماعاتها أجل فأولى أن يكون للآحاد آجالها ، ثانيا – ولأن الأمة هي الجماعة التي يجمعها عصر وعادات وتقاليد ، ويكون فيها توجيه إلى الخير أو إلى الشر ، فهي جيل له أحواله ، وعليه تبعاته ، فالله – سبحانه وتعالى – أخبرنا أن لكل جيل من الأجيال أجله الذي ينتهي عنده ، ويذهب بأثقاله ويجيء من بعده جيل آخر له شأنه .
وقوله تعالى:{ لا يستأخرون ساعة} والساعة أقل من الزمان ، والسين والتاء في{ يستأخرون} للطلب ، والمعنى لا يتأخرون ، والتعبير بالسن والتاء هنا إشارة إلى أنه لا يتأخر ، ولو طلبوا تأخيره ، بما يقتضي حب الحياة بالنسبة للعصاة فإنهم يتمنون الحياة ، ولا يتمنون الموت أبدا .
{ ولا يستقدمون} ، ( أي لا يقدم ولو طلبوا أن يقدموا ؛ كأولئك المؤمنين الذين يستعجلون لقاء ربهم لا طلبا للموت ولكن رغبة في الحياة الآخرة ولقاء ربهم ، طمعا في ثوابه ، أو رغبة في رضوانه .
والمعنى لكل أجل كتاب والموت بأي سبب من الأسباب هو نهاية الأجل الذي لا يتأخر ولا يتقدم فالموت بمرض ، أو بقتل أو حرق أو غرق ، أو استشهاد في سبيل كلمة حق لأجل الله تعالى:{ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة . . . . . . . . . . . . ( 78 )} ( النساء ) .
و قدم قوله تعالى:{ لا يستأخرون ساعة} على{ يستقدمون} ؛ لأن الرغبة كثيرة ، والرغبة في التقديم قليلة والله يتولى الأنفس وهو بكل شيء عليم .