التّفسير
لكلّ أُمّة أجل:
في هذه الآية يشير الله تعالى إلى واحدة من سنن الكون والحياة ،يعني فناء الأُمم وزوالها ،ويلقي ضوءاً أكثر على الأبحاث التي تتعلق بحياة أبناء البشر على وجه الأرض ومصير العصاة ،التي سبق الحديث عنها في الآيات السابقة .
فيقول أوّلا: ( ولكلّ أُمّة أجل ) .
ثمّ يشير إلى أنّ هذا الأجل لا يتقدم ولا يتأخر إن جاء ( فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) .
أي أنّ الأُمم والشعوب مثل الأفراد ،لها موت وحياة ،وأنّ الأُمم تندثر وينمحي أثرها من على وجه الأرض ،وتحل مكانها أُمم أُخرى ،وإنّ سنّة الموت وقانون الفناء لا يختصان بأفراد الإنسان ،بل تشمل الجماعات والأقوام والأُمم أيضاً ،مع فارق وهو أنّ موت الشعوب والأمم يكونفي الغالبعلى أثر انحرافها عن جادة الحق والعدل ،والإقبال على الظلم والجور ،والانغماس في بحار الشهوات ،والغرق في أمواج الإفراط في التجمل والرفاهية .
فعندما تسلكُ الأمم في العالم هذه المسالك وتنحرف عن سنن الكون وقوانين الخلقة ،تفقد مصادرها الحيوية الواحد تلو الآخر ،وتسقط في النهاية .
إنّ دراسة زوال مدنيات كبرى ،مثل حضارة بابل ،وفراعنة مصر ،وقوم سبأ ،والكلدانيين والآشوريين ،ومسلمي الأندلس وأمثالها ،توضح الحقيقة التالية ،وهي أنّه لدى صدور الأمر بزوال هذه المدنيات والحضارات الكبرى إثر بلوغ الفساد أوجه فيها لم تستطع حكوماتها أن تحفظ أسسها المتزعزعة حتى ساعة واحدة .
ويجب الالتفات إلى أنّ «الساعة » في اللغة تعني أصغر وحدة زمنية ،فربّما تكون بمعنى لحظة ،وربّما تكون بمعنى أقل قدر من الزمن ،وإن كانت الساعة تعني في عرفنا الحاضر اليوم مدة واحد من أربع وعشرين ساعة في اليوم .
الردّ على خطأ:
رأت بعض المذاهب المختلفة التي ظهرت في القرون الأخيرة بغية الوصول إلى أهدافها ،أن تزعزعبظنهاقبل أي شيء أُسس خاتمية رسول الإسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،ولهذا تمسكت ببعض الآيات القرآنية التي لا تدل على هدفها ،وبمعونة من تفسيرها بالرأي ،وشيء من المغالطة والسفسطة للتدليل على مقصودها .
ومن تلك الآيات الآية المبحوثة هنا .فقالوا: إنّ القرآن يصرّح بأنّ لكل أُمّة أجلا ونهاية ،والمراد من الأُمّة الدين والشريعة ،ولهذا فإنّ للدِّين الإسلامي أمداً ونهاية أيضاً !.
إنّ أفضل الطرق لتقييم هذا الاستدلال هو أن ندرس المعنى الواقعي للفظة الأُمّة في اللغة ،ثمّ في القرآن الكريم .
يستفاده من كتب اللغة ،وكذا من موارد استعمال هذه اللفظة في القرآن الكريم ،والتي تبلغ 64 موضعاً ،إنّ الأُمّة في الأصل تعني الجماعة .
فمثلا في قصة موسى نقرأ هكذا: ( ولما ورد ماء مدين وجد عليه أُمّة من الناس يسقون ){[1383]} أي يمتحون الماء من البئر لأنفسهم ولأنعامهم .
وكذا نقرأ في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ( ولتكن منكم أُمّة يدعون إلى الخير ){[1384]} .
كما نقرأ أيضاً: ( وإذا قالت أُمّة منهم لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم ){[1385]} .والمعنيون بالأُمّة هم أهالي مدينة إيلة من بني إسرائيل .
ونقرأ حول بني إسرائيل: ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أُمماً ){[1386]} .
من هذه الآيات يتّضح جيداً أنّ الأُمّة تعني الجماعة ،ولا تعني الدين ،ولا أتباع الدين ،ولو أنّنا لاحظنا استعمالها في أتباع الدين ،فإنّما هو بلحاظ أنّهم جماعة .
وعلى هذا الأساس يكون معنى الآية المبحوثة هنا هو أنّ لكل جماعة من الجماعات البشرية نهاية ،فليس آحاد الناس هم الذين يموتون ،وتكون لأعمارهم آجال وآماد فحسب ،بل الأُمم هي الأُخرى تموت ،وتتلاشى وتنقرض .
وأساساً لم تستعمل لفظة الأُمّة في الدين أبداً ،ولهذا فإنّ الآية لا ترتبط بمسألة الخاتمية مطلقاً .