وإن من بعد انتهاء الآجال يكون البعث ، ويكون بعد البعث الحساب على التصديق والتكذيب لما جاء به الرسل ؛
ولذا قال عز من قائل:{ يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 35 )} .
خاطب الله تعالى بني آدم ، وفي ذكر آدم – عليه السلام – نبيه وتذكير بما كان من إبليس لآدم – عليه السلام – وعمله على إغوائه وإغواء ذريته من بعده ، وقوله:{ إما يأتينكم} فيه ( إن ) الشرطية ، و ( ما ) المؤكدة لمعنى الشرطية ، وهذا تأكيد من الله تعالى بأنه سيرسل رسلا مبشرين ومنذرين ، كما قال تعالى:{. . . . . . . وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( 24 )} ( فاطر ) ، وقوله:{. . . . . . وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( 10 )} ( الإسراء ) ؛ ولذا أكد الشرط مع ( ما ) بالنون . ومؤدى الآيات أن الله تعالى يرسل الرسل لا محالة ولكن ذلك ليس بواجب عليه تعالى ، لا يجب عليه شيء ، ومن الذي يوجب عليه شيئا ،{ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( 23 )} ( الأنبياء ) فالكمال كله له تعالى .
ورسل:جمع رسول ، وقد أشار – سبحانه – إلى عملهم ، وهو التبليغ عن الله تعالى بقوله تعالت كلماته:{ يقصون عليكم آياتي} والقصص الإخبار والتكليف ، وتوجيه الأنظار إلى الكون قصا وتتبعا ، لا يترك أمرا واجب البيان ولا يبينه والآيات تشمل لعمومها الآيات المبينة للأحكام التكليفية ، والآيات الكونية الدالة على قدرة الله تعالى ، وعلى وحدانيته في الخلق والكون ، والصفات العلية ، وتشمل المعجزات الباهرة التي تدل على الرسالة .
وإن هذا القصص الحكيم ، والذكر الذي يهدي ويرشد ، هو كالمطر ، تتلقاه بعض النفوس فتؤمن به ، وتتلقاه أخرى فتكفر به ؛ فالغيث ينزل فيأتي بالخصب والخير الكثير للمؤمنين ، ولا ينبت نباتا ، ولا يسقي حرثا في الأرض الحدباء ، قال تعالى:{ فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} .
الفاء هنا للإفصاح عن شرط مقدر ، والمعنى إذا جاءتهم الرسل بآياتي فمن اتقى وأصلح . . . . . . ، ونسب الله – سبحانه وتعالى – الهدى إليه – سبحانه وتعالى – تعظيما لمعناه ، ولبيان أن الرسل يتكلمون عن الله:{ من يطع الرسول فقد أطاع الله . . . . . . . ( 80 )} ( النساء ) ، ولبيان ما يترتب على ذلك ، وهو نفي الخوف والحزن ؛ ولذا قال تعالى:فلا خوف عليهم من عذاب ، بل هم في أمن وسلام ؛ لأن الهداية أمن واطمئنان ؛ ولأن الطاعة لا عقاب منها بل ثواب فلا خوف من عقاب . ولا يحزنون ، أي لا يصيبهم حزن ، ولا ألم نفسي أو جداني ، ولا تأثر فيهم زوابع الحياة لأن نفوسهم مطمئنة بإيمانها راضية بقضاء الله وقدره ، كما قال تعالى:{. . . . . . . . . . ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( 68 )} ( الرعد ) ، فمن اهتدى فقد حصن نفسه بالأمن والرضا ، فلا يخاف ولا يحزن .