وقوله- سبحانه-:إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ.... استثناء من مفعول لا أَمْلِكُ، وهما قوله قبل ذلك:ضَرًّا وَلا رَشَداً وما يليهما اعتراض مؤكد لنفى الاستطاعة. أى:قل لهم- أيها الرسول الكريم- إنى لا أملك ما يضركم ولا أملك ما ينفعكم، وإنما الذي أملكه هو تبليغ رسالات ربي إليكم، بأمانة واجتهاد.
والبلاغ:مصدر بلّغ، وهو إيصال الكلام أو الحديث إلى الغير، ويطلق على الكلام المبلغ من إطلاق المصدر على المفعول، مثل:«هذا خلق الله» ، و «من» ابتدائية صفة لقوله:
«بلاغا» أى:بلاغا كائنا من جهة الله- تعالى- وأمره. والرسالات:جمع رسالة، وهي ما يرسل إلى الغير من كلام أو كتاب. والمراد بها هنا:تبليغ ما أوحاه الله- تعالى- إلى نبيه للناس.
قال الآلوسى ما ملخصه وقوله:إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ.... استثناء من مفعول لا أملك ...
وما بينهما اعتراض ... فإن كان المعنى:لا أملك أن أضركم ولا أن أنفعكم، كان استثناء متصلا، كأنه قيل:لا أملك شيئا إلا بلاغا، وإن كان المعنى:لا أملك أن أقسركم على الغي والرشد، كان منقطعا، أو من باب:لا عيب فيهم غير أن سيوفنا ... أى:أنه من أسلوب تأكيد الشيء بما يشبه ضده، وقوله وَرِسالاتِهِ عطف على قوله بَلاغاً وقوله:
مِنَ اللَّهِ متعلق بمحذوف وقع صفه له. أى:بلاغا كائنا من الله ... .
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك سوء عاقبة من يخالف أمره فقال:وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما أمرا به، أو نهيا عنه.
فَإِنَّ لَهُ أى:لهذا العاصي نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أى:فحكمه أن له نار جهنم، وجمع- سبحانه- خالدين باعتبار معنى «من» ، كما أن الإفراد في قوله فَإِنَّ لَهُ باعتبار لفظها.
وقوله:«أبدا» مؤكد لمعنى الخلود. أى:خالدين فيها خلودا أبديا لا نهاية له.