ثم بين- سبحانه- بعد ذلك الحكمة من أمره له صلى الله عليه وسلم بقيام الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة فقال:إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا.
وقوله:ناشِئَةَ:وصف من النشء وهو الحدوث، وهو صفة لموصوف محذوف.
وقوله:وَطْئاً بمعنى مواطأة وموافقة، وأصل الوطء:وضع الرجل على الأرض بنظام وترتيب، ثم استعير للموافقة، ومنه قوله- تعالى- لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ، ومنه قولهم:وطأت فلانا على كذا، إذا وافقته عليه. وهو منصوب على التمييز. وقوله:
قِيلًا بمعنى قولا.
وقوله:أَقْوَمُ بمعنى أفضل وأنفع.
والمعنى:يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا منه للعبادة والطاعة. فإن العبادة الناشئة بالليل.
هي أشد مواطأة وموافقة لإصلاح القلب، وتهذيب النفس، وأقوم قولا، وأنفع وقعا، وأفضل قراءة من عبادة النهار، لأن العبادة الناشئة بالليل يصحبها ما يصحبها من الخشوع والإخلاص، لهدوء الأصوات بالليل، وتفرغ العابد تفرغا تاما لعبادة ربه.
قال الشوكانى ما ملخصه:قوله:إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ ... أى:ساعاته وأوقاته، لأنها تنشأ أولا فأولا، ويقال:نشأ الشيء ينشأ، إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شيء، فهو ناشئ ... قال الزجاج:ناشئة الليل، كل ما نشأ منه، أى:حدث منه ... والمراد ساعات الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم الموصوف.
وقيل:إن ناشئة الليل، هي النفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة، أى:تنهض، من نشأ من مكانه، إذا نهض منه.
هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً قرأ الجمهور وَطْئاً بفتح الواو وسكون الطاء مقصورة، وقرأ بعضهم وطاء بكسر الواو وفتح الطاء ممدودة.
والمعنى على القراءة الأولى:أن الصلاة الناشئة في الليل، أثقل على المصلى من صلاة النهار، لأن الليل للنوم ... ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم اشدد وطأتك على مضر» .
والمعنى على القراءة الثانية:أنها أشد مواطأة وموافقة بين السمع والبصر والقلب واللسان، لانقطاع الأصوات والحركات، ومنه قوله- تعالى-:لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ أى:
ليوافقوا.
وَأَقْوَمُ قِيلًا أى:وأشد مقالا. وأثبت قراءة، لحضور القلب فيها، وهدوء الأصوات، وأشد استقامة واستمرارا على الصواب ... .