{إِنَّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً} الظاهر أن المراد بكلمة{نَاشِئَةَ اللّيْلِ} ،ما ينشأ من الليل بعد العشاء ،كما قيل ،وهي كنايةٌ عن صلاة الليل التي تندمج في الزمن لتحمل للإنسان معناها الروحي والعملي ،نتيجة الجهد الكبير والمشقة الشديدة بسبب سهر الليل ،والتمرد على حاجة النفس للنوم والراحة والاسترخاء الهادىء ،وبذلك كانت أشد وطئاً وتأثيراً على الجسد من أيّة صلاةٍ أخرى ومن أيّ عمل آخر .وإذا كان الليل هو زمن الصفاء والهدوء عندما تخلد كل الموجودات الحيّة للراحة ،ويبسط الظلام ظلّه على الأرض ليمنحها الاستغراق في الاسترخاء الهادىء ،فإن الكلمة عندما تتحرك فيه من بين الشفتين ،تمثل العذوبة والحلاوة والروحانية والصفاء والنقاء التي تفتح النفس على الحقيقة ،فلا يشوبها غموض ولا تعقيد ،ولا يقترب منها الباطل ،وبذلك تكون أقوم في المعنى ،وفي الجوّ وفي الحركة ،لأنها لا تنطلق من بين الضجيج ،بل تتحرك من عمق الهدوء الذي يمنح الفكر انطلاقه وانفتاحه وعمقه وامتداده في الحياة ...وهكذا يريد الله لنبيه وللدعاة معه ومن بعده أن يستغرقوا في قيام الليل ،لتوحي له الصلاة بالروح القوية التي تثبّت الإنسان في مواقف الاهتزاز ،وفي مواقع التحديات ،ولتفتح له الفكر القويم من خلال الشخصية القوية التي تواجه الضعف من قاعدة الإيمان .