{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} وهو القرآن الذي يحمل في داخله كل مفاهيم الرسالة وخطوطها الفكرية والعملية في الحياة ،ما يدفع الإنسان إلى الالتزام في دائرة المسؤولية التي تثقل عليه من خلال تحويل الحياة في وجدانه الحركيّ ،من ساحةٍ للاسترخاء واللاّمبالاة والسكون والحرية الغارقة في بحار الشهوات ،والمتخبّطة في وحول الجريمة ،إلى ساحةٍ للدعوة إلى تصحيح الفكر واستقامة القصد ،ووضوح الهدف ،وطهارة الوسائل ،وتنظيم الحياة ،وتوجيه الإنسان نحو القضايا الكبيرة التي تلتقي برضى الله في مواقع رحمته وحكمته في الدنيا والآخرة .
على ضوء ذلك ،فإن القول الثقيل لا يتمثل في الثقل المادي كما توحي بعض الروايات التي تعبر عن الضغط والتأثيرات الشديدة التي كان يتعرض لها النبي في جسده عند نزول الوحي عليه ،بل يتمثل في ثقل المسؤولية التي تضغط على كل الواقع الإنساني لتدفعه إلى الالتزام الفكري والعملي الذي يقف عند حدود الله فلا يتجاوزها ،ويتحمل ثقل الأعباء الملقاة على عاتق الإنسان المسلم الذي يواجه التحديات من موقع الإيمان الرسالي الذي يثبت في كل حالات الاهتزاز الروحي الهادف إلى إسقاط الواقع من حوله .
وهذا ما يحتاج إلى التربية الطويلة ،والمعاناة الشديدة ،والقوّة الروحية التي ترتفع بالإنسان إلى الآفاق الواسعة ،فلا تضيق به مشكلة ،ولا تضعفه مصيبةٌ ،ولا تخنقه عقدةٌ ،ولا يثيره انفعالٌ ،ليكون إنسان الفكر الهادىء ،والعاطفة المتزنة ،والحركة العاقلة ،والواقع المتوازن ،والكلمة الحلوة الهادئة ،لأن الرسالة لا تنمو في عقل الإنسان إلا من خلال الشخصية الإنسانية التي تجمع ذلك كله .
وتلك هي قيمة القيام بالليل الذي يملأ الروح بالصفاء والنقاء والهدوء والاتّزان العقلي والروحي ،عندما يتكرر لقاء الإنسان بربّه في أجواء الليل الذي يحوّل الظلام من حالةٍ تثقل الروح بسوادها إلى حالةٍ تبعث الصفاء في الروح من خلال الاسترخاء الذي يبعثه في مشاعرها ،فيدفعها إلى الهدوء في الحركة والفكر ،كما يوحي له بارتفاع مستوى الإِحساس بالقوّة التي يستمدها من صلته بالله .