قوله:{إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} المراد بالقول هنا القرآن .وفي تأويل ثقله وجهان: الوجه الأول: أنه ثقيل وقت نزوله وذلك بسبب عظمته .فقد ذكر عن زيد بن ثابت ( رضي الله عنه ) أنه قال:"أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخدي فكادت ترضّ فخدي ".
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم ،فقلت: يا رسول الله !هل تحس بالوحي ؟!فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أسمع صلاصل ثم أسكت عند ذلك فما من مرة يوحى إلي إلا ظننت أن نفسي تقبض ".
وقالت عائشة ( رضي اله عنها ): ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وجبينه ليتفصّد عرقا .
وروى الإمام أحمد عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت: إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجرانها .أي بصدرها .وفي رواية عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرّى عنه .وجرانها يعني صدرها ،إذ تضعه على الأرض من فرط الثقل .
الوجه الثاني: أن المراد بثقل القرآن ،العمل به .أي العمل بما يقتضيه من الأحكام والحدود والشرائع والفرائض .فهو في ذلك كله ثقيل لا يحتمله إلا المؤمنون المتقون الذين لا يرتضون عن دين الله وشرعه ومنهاجه أي بديل .يحتمله المؤمنون الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وآمنوا بقضاء الله وقدره خيرهما وشرهما .
أما غير هؤلاء من المشركين والمرتابين والخائرين والمنافقين فإنه يثقل عليهم العمل بما في القرآن من أحكام وفروض وحدود .
ويضاف إلى ذلك كله ثقل الدعوة إلى دين الله ،ومنبعه القرآن .لا جرم أن الدعوة إلى التزام أحكام الإسلام وما حواه القرآن من المبادئ والأخلاق وقواعد الشريعة وأحكامها لهو أمر ثقيل ،لما يواجه ذلك في الغالب من الصدود والجحود والعدوان من أكثر الناس .إن الدعوة إلى دين الإسلام وما تضمنه القرآن من منهج للحياة ليس بالأمر السهل اليسير ،بل إنه ثقيل عسير لا يطيقه إلا الصابرون الراسخون في الإيمان من المسلمين .