قوله تعالى:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً} .
أي ما تنشأه من قيام الليل أشد مواطأة للقلب وأقوم قيلاً في التلاوة والتدبر والتأمل ،وبالتالي بالتأثر ،ففيه إرشاد إلى ما يقابل هذا الثقل فيما سيلقى عليه من القول ،فهو بمثابة التوجيه إلى ما يتزود به لتحمل ثقل أعباء الدعوة والرسالة .
وقد سمعت من الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه قوله: لا يثبت القرآن في الصدر ولا يسهل حفظه وييسر فهمه إلا القيام به من جوف الليل ،وقد كان رحمه الله تعالى لا يترك ورده من الليل صيفاً أو شتاء ،وقد أفاد هذا المعنى قوله تعالى:{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} فكانصلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
وهكذا هنا فإن ناشئة الليل كانت عوناً لهصلى الله عليه وسلم على ما سيلقى عليه من ثقل القول .
مسألة
قيل: إن قيام الليل كان فرضاً عليه صلى الله عليه وسلمقبل أن تفرض الصلوات الخمس لقوله تعالى:{وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [ الإسراء: 79] والنافلة الزيادة ،وقيل: كان فرضاً عليهصلى الله عليه وسلموعلى عامة المسلمين ،لقوله تعالى في هذه السورة:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الّلَيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ} المزمل: 30] ثم خفف هذا كله بقوله:
{فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءانِ} إلى قوله:{فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَءاتُواْ الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأنفسكم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} [ المزمل: 20] .
ولكنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملاً داوم عليه ،فكان يقوم الليل شكراً لله كما في حديث عائشة رضي الله عنها"أفلا أكون عبداً شكوراً "وبقي سنة لغيره بقدر ما يتيسر لهم .والله تعالى أعلم .