{الْحَكِيمِ}: المحكم ،وقيل هو بمعنى الحاكم .
قياس الرسالة بمستوى الذات
وتبدأ السورة بتوجيه الناس إلى آيات الكتاب في كل ما يشتمل عليه من حكمة النظرة والمعالجة لقضايا الناس في العقيدة والحياة ،ولكن الناس لا يواجهون المسألة من مواقع الحسابات الدقيقة التي تضع الأشياء في مواضعها على أساس القاعدة الفكرية لمسائل الوحي والتنزيل ،بل يواجهونها بطريقةٍ سطحيّة تعتمد على المألوف في ما يواجهونه من أوضاعهم الشخصية ،فيقيسون قضية النبوّة بقضاياهم الشخصية ،فيألفون منها ما يألفونه من أنفسهم ويستبعدون منها ما يستبعدون من أنفسهم ،فيتصورن أنها بعيدةٌ عن آفاق البشر ،ومتّصلةٌ بعالم الغيب ،فكما أنها غيبٌ بطبيعتها ،فلا بد من أن تكون غيباً في الشخص الذي يحملها ،لأن الغيب لا يقترب من عالم البشر ،باعتبار أنه عالم الحس الذي لا يلتقي إلا بالجانب الحسي من الحياة .وهكذا يتحوّل هذا التصور السريع للمسألة إلى إنكارٍ للرسول وللرسالة .وتلك هي مشكلة الإنسان عندما يواجه الأشياء غير المألوفة في حياته بالإنكار ،اعتماداً على انطلاقه مع المقاييس المألوفة للأشياء في قضايا الفكر والحياة .
التعجب من الوحي إلى رجل منهم
{الر} وقد تحدثنا في بداية سورة البقرة عن الوجوه المتصورة لتفسير الحروف المقطعة في أوائل السور ،فلتراجع هناك .
{تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} التي أنزلها الله على رسوله ،ليحملها إلى الناس رسالة هدىً وحقٍّ وصدقٍ وحكمةٍ وإيمان ،ما يفرض عليهم أن يقرأوها بتدبّر وإمعانٍ ،ليعرفوا منها مواقع الفكر في ما يحتاج إلى حركة الفكر ،وينابيع الشعور ،فيما يلامس الشعور ،وخطوات الحركة في ما ينطلق به خط السير ،فذلك هو السبيل إلى وعي الرسالة والإيمان بالرسول .ولكن بعض الناس لا يتوقفون في هذا الخط ،فينهجون نهجاً آخر ،ويتخذون لأنفسهم سبيلاً آخر