بسم الله الرحمن الرحيم
المفردات:
أوفوا بالعقود: الوفاء: الإيتاء بالشيء وافيا .والعقود: جمع عقد والمراد هنا: العهد الموثق .
بهيكة الأنعام: البهيمة: هي ما لا عقل له من الحيوان .وخصصت- في العرف- بذوات الأربع .والأنعام: هي الإبل والبقر والغنم ...وألحق بها ما يماثلها ... كالظباء وبقر الوحش وحمره .والإضافة هنا: بيانية أي: بهيمة هي الأنعام .
حرم: أي: محرمون بالحج أو العمرة .
التفسير:
1- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...ينادي الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين ،آمرا إياهم بالوفاء بجميع العقود .
وهذا أمر عام يشمل جميع ما ألزم الله به عباده ،وعقده عليهم من التكاليف والأحكام الدينية .وما يعقده العباد- فيما بينهم- من عقود الأمانات والمعاملان ونحوها مما يجب الوفاء به .
جاء في ظلال القرآن:
إنه لا بد من ضوابط للحياة حياة ،الفرد مع نفسه وحياته مع غيره ،هذه الضوابط لا بد لها من احترام يضمن ألا تنتهك وألا يستهتر بها ،وألا يكون الأمر فيها للأهواء والشهوات .
والعقود: هي هذه الضوابط التي تنظم العلاقات ؛لأنها تقيم حدود الحرية فلا تدعها فوضى ،وتجعل الحياة شركة ذات أطراف ،لا يجور فيها طرف على طرف .
والعقود في معناها الواسع تشمل الديانات والشعائر والعبادات والمعاملات ،والمعاهدات ؛لان هذه كلها عقود ترتبط بها النفس وضميره ،ويتحدد بها عمله وسلوكه ...فالأمر بالوفاء بالعقود أمر بإقامة ضوابط للحياة ما استكن منها وما ظهر على السواء .ما تعلق منها بالضمير وما تعلق منها بالسلوك .ما كان بين المرء وربه ،وما كان بينه وبين غيره .
والإسلام يربط هذه العقود كلها بالله ،ويجعل الوفاء بها فريضة ،ويوجه الأمر للذين آمنوا فكتبوا بقلوبهم عقد الإيمان ،أن يفوا بسائر العقود التي ارتبطوا بها مع عقد الإيمان{[172]} .
أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ .أي: أحلت لكم- أيها المؤمنون- أكل بهيمة الأنعام: من الإبل والبقر والغنم ، وما شابهها من الظباء وبقر الوحش ،والحمر الوحشية .
إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ .استثنى من هذه الأطعمة ما سيتلى في الآية الثالثة من هذه السورة ( وأخر هذا البيان مؤقتا ووقف عند هذا الإجمال ؛ليتناول في الآية الأولى كليات مجملة بالتحريم فيكون التحليل عاما والتحريم عاما قبل التفصيل{[173]}
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ: أي: أحلت لكم هذه الأشياء من غير أن تستحلوا الصيد وأنتم محرمون .فلا يجوز لكم الاصطياد- أو الانتفاع بالمصيد- مادمتم محرمين ،فإذا تحللتم من إحرامكم ،فلا جناح عليكم أن تصيدوا ،أو تنتفعوا بالمصيد ،ولكن في غير الحرم .
أما الحرم ،فلا يحل الاصطياد فيه ،ولا الانتفاع فيه ،سواء في ذلك المحرم وغير المحرم .
وهكذا يقيم الإسلام منطقة أمان في بيت الله الحرام وما حوله ،كما يقيم فترة أمان في الأشهر الحرم ؛
حتى يتمرن الإنسان على السلام والأمن والأمان .
قال تعالى: أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .( القصص:57 )
إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ .أي: أن الله سبحانه يقضي في خلقه بما شاء ،ومن ذلك تحليل ما أراد تحليله ،وتحريم ما أراد تحريمه حسبما يعلمه سبحانه من المصالح لعباده ،لا حسب شهواتهم وأهوائهم- فعلى العباد أن يمتثلوا أمره تعالى ،ويجتنبوا نهيه ،وفاء بعهده ،سواء أدركوا حكمة التشريع ،أم لم يدركوها .