قوله تعالى:{ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} ذلك إخبار من الله عما أنعمه على بني إسرائيل من خيرات الدنيا وبركاتها وهو قوله:{بوأنا بن إسرائيل مبوأ صدق} أي أسكناهم مكانا كريما محمودا ؛إذ أنزلهم الله منزلا صالحا فيه من الأمن والرضى والاستقرار .وهو مصر والشام ؛فقد أهلك الله فرعون ودمر عليه وقومه تدميرا .وأورث بني إسرائيل ديارهم وأموالهم وما تركوه من جنات وخيرات وكنوز ومذخورات لا حصر لها فعاشوا في نعيم وبحبوحة ليس لهما نظير .
قوله:{فما اختلفوا حتى جاءهم العلم} يعني: ما اختلفوا وتفرقت قلوبهم وأهواؤهم وتشبهت آراؤهم وفرقهم حتى جاءهم كتاب الله وهو التوراة ،فاختلفوا فيها اختلافا كثيرا .
وقيل: المراد أن بني إسرائيل ما تختلفوا حتى جاءهم ما كانوا يعلمون ويقرأون خبره في كتابهم ،وهو بعث رسول الله إلى الناس كافة ؛فقد كانوا قبل أن يبعث عليه الصلاة والسلام مجمعين على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإقرار بصدق رسالته ،ووجوب الإيمان به وتأييده من غير خلاف بينهم في هذه الحقيقة .فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا به وجحدوا وكذبوه وصدوا الناس عن دينه صدودا بمختلف الأساليب والأسباب .
قوله:{إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} الله يفصل بين هؤلاء المختلفين الذين اختلفوا في دينهم وما أنزل إليهم من ربهم ،وما اختلفوا فيه من أمر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ؛إذ صدقه قلة منهم وكذبه الأكثرون .يفصل بينهم يوم القيامة فيجازي المحسن بإحسانه ،والمسيء بإساءته{[2029]} .