اختلاف بني إسرائيل
{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} أي منزل صدق ،المراد به المنزل الصالح الجيّد ،في ما يشتمل عليه من خير وخصبٍ وبركةٍ .وقد نقل عن العرب أنهم يضيفون الصدق إلى المكان ويقصدون به الصلاح ،{وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} في ما أغدقه الله عليهم من بركات الأرض والسماء ،ليشكروه وليوحّدوا موقفهم على أساس كلمته ،المنطلقة من وحيه الذي أنزله على موسى في التوراة ،ولكنهم تمرّدوا واختلفوا فيما بينهم على كثير من الأشياء{فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَآءهُمُ الْعِلْمُ} الذي يوضّح لهم الحقيقة في ما اختلفوا فيه ،فلم يتركهم لجهلهم ،بل أراد أن يبين لهم كل شيء في التوراة .ولكن القضية عندهم لم تكن مشكلة مصادر المعرفة ،بل الروحية التي تربطهم بآفاقها ،فلم يعيشوا مسؤولية العلم في الإذعان للحق الذي يكشفه ،بل استسلموا لأنانياتهم التي تمنعهم من الرضوخ للآخرين في ما يتحركون به من أسباب المعرفة{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وذلك عندما يقوم الناس لربّ العالمين ،ليواجهوا الحجة في ما اعتقدوه وفي ما لم يعتقدوه ،وما اختلفوا فيه ،فيقف كل إنسان أمام النتائج السلبية والإيجابيّة التي تنعكس على موقفه ،من دون لفٍّ أو دورانٍ ،لأن الموقف هناك هو موقف الصدق الذي لا يحتمل كذباً ولا رياءً ولا نفاقاً ولا هروباً من المسؤولية .