{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ 93}
المفردات:
بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق: أنزلناهم مكانا صالحا آمنا وأسكناهم فيه .
التفسير:
93{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ...} الآية .
في أعقاب الحديث عن نجاة بني إسرائيل ،وغرق فرعون وقومه ،تحدث القرآن عن جانب من النعم التي أنعمها الله على بني إسرائيل فقال:
{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} .
أي: ولقد أنزلنا بني إسرائيل منزلا صالحا مرضيا وهو منزلهم سابقا في مصر ،ولا حقا في فلسطين ،وقد رزقهم الطمأنينة والأمن ،{ورزقنهم من الطيبات} .أي: اللذائذ المستطابة المباحة فيها ،وأنعمنا عليهم فيها بكثير من الخيرات من الثمار والغلال ،وصيود البر والبحر ،والمن والسلوى .
{فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ} .
أي: ظل هؤلاء يرفلون في نعم الله عليهم ،فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم علم التوراة ومعرفة أحكامها ،وكتب الله تدعو الناس إلى التعاون والتآزر والتواد والتراحم لكنهم تفرقوا في أمور دينهم ودنياهم على مذاهب شتى ،فالجملة توبخهم على جعلهم العلم الذي كان من الواجب عليهم أن يستخدموه في الحق والخير والوحدة والجماعة ،فاستخدموه في التأويلات الباطلة وجعلوه وسيلة للاختلاف والابتعاد عن الصراط المستقيم .
وللعلماء في تحديد المراد ببني إسرائيل في هذه الآية قولان:
الأول: أنهم اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام ،وعلى هذا يكون مبوأ الصدق: مصر الشام ،والعلم الذي أدى إلى الاختلاف بينهم هو علم التوراة .
والقول الثاني: هم اليهود المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم ،وبه قال جمع عظيم من المفسرين ،وهم قبائل اليهود في المدينة: ( قريظة ،والنضير ،وبنو قينقاع ) ،ومنزل الصدق ما بين المدينة ،والطيبات: ما في تلك البلاد من التمور ،والمراد بالعلم: القرآن ،وكونه سبب الاختلاف ؛أن اليهود اختلفوا فآمن قوم ،وبقى آخرون على كفرهم .
{فما اختلفوا حتى جاءهم العلم} .
أي: ما اختلف اليهود في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ،إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته ،وتظاهر معجزاته .
وقد الكفر كانوا يستفتحون به على الذين كفروا ،ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم ،فلما بعث وجاءهم ما عرفوا كفروا به .
والخلاصة: أنهم ما اختلفوا في شيء من المسائل جهلا ؛وإنما من بعد ما جاءهم العلم .
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .
أي: إن ربك يفصل ويحكم بينهم يوم القيامة في شأن ما اختلوا فيه فيميز المحق من المبطل ،حيث ينجي الله المحقين ،ويعاقب المبطلين .