قوله:{حتى زرتم المقابر} يعني حتى أتاكم الموت ،وحينئذ ترون ما يحيق بكم من شديد العذاب .فما كنتم تفاخرون به الناس تركتموه وراء ظهركم لغيركم .وفي هذا روى مسلم في صحيحة عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يقول العبد: مالي مالي ،وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى ،أو لبس فأبلى ،أو تصدق فأمضى .وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس "،وروى البخاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يتبع الميت ثلاثة ،فيرجع اثنان ،ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله ،فيرجع أهله وماله ،ويبقى عمله ".
على أن زيارة القبور مندوب إليها ،فهي تذكّر الموت والآخرة ،وتدعو إلى الزهد في الدنيا .وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور ،فزوروا القبور ،فإنها تزهد في الدنيا ،وتذكّر الآخرة "،وكفى بالموت واعظا ،فإنه هادم اللذات ،ومفرّق الجماعات ،وميتّم البنين والبنات ،على أن زيارة القبور للرجال مندوب إليها .أما زيارة النساء للقبور فمختلف في حكمها .فقد قيل بحرمتها في حق النساء ،وذلك لما رواه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لعن الله زوّارات القبور "،ولعل علة النهي عن زيارتهن القبور حصول الفتنة .فإذا لم يكن ثمة فتنة في زيارتهن فلا حرج عليهن في ذلك .وعلى هذا إذا انفردت النساء بالخروج عن الرجال فغابت أسباب الفتنة ،أبيح لهن الخروج .