قوله{ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم} النصح ،معناه الإخلاص والصدق ،والنصيحة: كل قول فيه الدعاء إلى الصلاح والنهي عن الفساد ،نصحه ،أرشده إلى ما فيه صلاحه{[2082]} .والمعنى: إنني إن أردت أن أبين لكم الحق والصواب وأدعوكم إلى ما فيه نجاتكم وفلاحكم ؛فلا ينفعكم ما أبذله لكم من ترشيد إلى الحق والهداية ونهي عن الباطل والضلالة{إن كان الله يريد أن يغويكم}{يغويكم}: من الإغواء وهو الإضلال ،أغواه: أضله وأغراه ،غوى غيا وغواية ؛أي أمعن في الضلال .وغاو ؛أي ضال{[2083]} .قال الزمخشري في تأويل قوله:{إن كان الله يريد أن يغويكم}: إذا عرف الله من الكافر الإصرار فخلاه وشأنه ولم يلجئه ؛سمي ذلك إغواء وإضلالا ،كما أنه إذا عرف منه أنه يتوب ويرعوي فلطف به ؛سمي إرشادا وهداية .
وفي قوله:{أن يغويكم} قال الزمخشري: معناه أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التيس لا تنفعكم نصائح الله وموعظة وسائر ألطافه ؛كيف ينفعكم نصحي ؟وفي هذا القول من تكلف المعتزلة في تأويل مثل هذه الآية ما لا يخفى .والصواب في هذا الصدد أن نقول: إن الله هو الهادي وهو المضل .ويقوي هذا التأويل بعد ذلك:{هو ربكم وإليه ترجعون} فالله مالك كل شيء ،ومالك الناس جميعا ؛فإليه الهداية ،والناس صائرون أخيرا إليه{[2084]} .