قوله:{قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} قائل ذلك غير معلوم ،فهو في الآية منكر ،فالله أعلم بمن هو .وأيما كلام في حقيقة اسمه إن هو إلا ضرب من الظن .والمقصود: أن أحدهم وهو أقصدهم في رأيه قال: لا تقتلوا يوسف} فقد نهاهم عن قتله لما رآه أن القتل عظيم بل دعاهم إلى إلقائه{في غيابة الجب} والجب معناه البئر .و{غيابة الجب} يعني قعر البئر{[2208]} ؛فقد دعاهم إلى إلقاء أخيهم يوسف في قعر البئر لكي يغيب خبره ويضيع نهائيا .
قوله:{يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَة} السيارة تعني القافلة{[2209]} .والمراد: أن يأخذه بعض مارة الطريق من المسافرين{إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} أي إن كنتم جادين فتفعلون ما أقول لكم .وقد ذكر أنه أخذه ناس من الأعراب المسافرين .
وذلك كله يدل على أن إخوة يوسف ليسوا أنبياء وهذه حقيقة ما ينبغي لأحد من الناس أن يماري فيها .وما المرء فيها إلا الإسراف في الثرثرة أو التقول الفارغ الممجوج غير القائم على شيء من الحجة أو المعقول .ذلك أن الأنبياء يستحيل في حقهم أن يدبروا لقتل مسلم .وهم فوق ذلك معصومون عن ارتكاب الكبيرة ،فكيف إذا كان ذلك جملة كبائر من بينها عقوق الوالد النبي ،وقتل الأخ المؤمن المعصوم ظلما وعدوانا .لا جرم أن هذه فاقرة من الفوقر التي تزلزل الفرائص وتضطرب لهولها الأرض ،والتي لا يقع فيها المؤمنون من سواء الناس وعامتهم ،فيكيف إن كانوا النبيين ؟!
إن أصدق ما ينبغي أن يقال في هذا الصدد أن إخوة يوسف كانوا مسلمين فارتكبوا معصية ثم تابوا{[2210]} .