قوله تعالى:{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( 42 ) بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ( 43 )} نزلت في مشركي مكة ؛إذ أنكروا نبوة محمد ( ص ) وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ،فهلا بعث إلينا ملكا{[2533]} !
والإنسان بطبيعته مجبول على استعدادات منسجمة متسقة من طاقات النفس والروح والعقل .ويأتي في الطليعة من البشر هذه الفئة الممتازة الفضلى من الناس وهم النبيون المرسلون ؛فإنهم صنف من الخليقة مفضال ومميز بما جبل عليه من هائل القدرات الروحية وبالغ الكفاءات النفسية والعقلية والفكرية بما لا يضاهيه في الكائنات نظير .فلا جرم أن يصلح النبيون أكمل صلوح لحمل رسالة السماء ،وتبليغ الناس إياها .أما ما يظنه الجاهليون في هذا الصدد ؛فليس إلا الوهم والتخريص والتقول بغير علم .ومن أجل ذلك رد الله مقالة العرب الجاهليين ووهمهم وتخريصهم بقوله: ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) يعني ما أرسلنا من قبلك يا محمد في أمة من الأمم لدعوة الناس إلى دين الله وطاعته والإقرار بوحدانيته والتزام شرعه ومنهاجه إلا رجالا من جنسهم من البشر نوحي إليهم على ألسنة الملائكة .
قوله: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) إن كنتم لا تعلمون هذه الحقيقة وهي إرسال الرسل إلى الناس من جنسهم من بني آدم فاسألوا أهل الذكر .وهم العالمون بالكتب السماوية من قبلكم كالتوراة والإنجيل ؛ففيهما ما ينبئكم أن المرسلين السابقين من قبلكم ما كانوا إلا من بني آدم .
وقيل: المراد بأهل الذكر: الذين أسلموا من أهل الكتاب ،فعندهم العلم بهذه الحقيقة مما وعوه من التوراة والإنجيل .