ولقد كان المشركون يعترضون على الرسالة المحمدية بأنها لرجل ، ويريدون ملائكة ، فبين الله تعالى أن الرسل جميعا من الرجال ، فقال عز من قائل:
{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( 43 )} .
ليس عجبا أن يوحى الله تعالى إلى رجل منكم ، وما كان محمدا صلى الله عليه وسلم بدعا في الرسل ، بل كان الرسل من أقوامهم يحسون بإحساسهم ، ويتألفونهم ويعرفونهم في ماضيهم الطاهر المنزه ، ولم يرسل رسولا إلا إذا كان من قومه وكان رجلا منهم ؛ ولذا قال تعالى:{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا} ، فما أرسلنا ملكا ؛ لأن طبيعته ليست من طبيعة الإنسان ، وهو روح غير جسد ،{ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ( 9 )} [ الأنعام] ، الأمر أهو ملك ، أما إنسان ، وإن امتياز هذا الرجل الرسول من بينهم أنه يوحى إليه ، وينزل عليه جبريل الأمين برسالته ؛ ولذا قال:{ نوحي إليهم} ، هذه قراءة بالنون المعظم للمتكلم ، وهو الله تعالى ، وأي متكلم أكبر وأعظم من رب البرية ، وهذا كقوله تعالى في آية أخرى:{ وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى . . .( 109 )} [ يوسف] ، ولقد قال سبحانه وتعالى على لسان رسوله:{. . .قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ( 93 )} [ الإسراء] .
ولقد نبههم سبحانه إلى أن عليهم أن يتعرفوا الأمر من أهل المعرفة ، فقد كانوا أميين منقطعين عن الرسالة فأراد سبحانه أن يوجههم إلى سؤال أهل المعرفة:{ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلون} ، ( الفاء ) تفصح عن شرط مقدر ، أو واقعة في جواب الشرط{ إن كنتم لا تعلمون} وأهل الذكر هم أهل التفكر والتدبر والعلم بالأشياء على وجهها ، ويدخل في هؤلاء أهل الكتاب ، أي إن كنتم لا تعلمون هذه الحقائق ، فلا تعجبوا في الأمر لمجرد أنه يثير عجبكم واستغرابكم ، بل تعرفوا الأمر من أهل الذكر والحكمة والمعرفة وأهل الكتاب ليزول عجبكم واستغرابكم ، وذلك مع المعجزة الكبرى التي قدمها لكم ، وتحداكم أن تأتوا بسورة من مثله ، وما زال يتحداكم وهكذا نرى القرآن الكريم يصرف الآيات ليدركوا وليستبينوا الحق .