التأكيد على بشرية الرسل
ما هي شخصية الرسول ؟وما هي قدراته ؟هل هو إنسان غيبيٌّ في شخصه وفي إمكاناته ؟هل من المفروض في الرسول الذي يرتبط بالله من خلال الوحي ،أن يكونفي طبيعتهشخصاً غير عاديّ ،كما هو الوحي شيءٌ غير عادي في طبيعته ؟أو هو إنسان مثل بقية الناس في شخصيته وفي قدرته ،لا يملك أن يغيّر شيئاً من سنن الكون التي أودعها الله في الحياة ،ولا يستطيع أن يكتشف الغيب ؟أسئلةٌ كانت تدور في ذهن الإنسان الذي عاصر الرسالات عندما كان يرفض فكرة الرسولالبشر ،وعندما كان يطلب من الرسول تفجير الينابيع من الأرض القاحلة ،والصعود إلى السماء ،والإتيان بكتابٍ غير عادي منها .وهذه أفكار لا تزال تطال اعتقاد الإنسان المتأخر عن عصر الرسالات ،بالنبيّ ،حيث يُرى كشخصيةٍ غيبيّةٍ في قدراتها ،إلى درجة اعتقاد البعض بأن للنبي ولايةً تكوينية على الحياة وعلى الناس ،كما يعتقد الكثيرون بأنه يعلم الغيب إذا أراد ،من دون حدود .وغير ذلك من الاعتقادات التي أبعدت شخصية النبيّ عن مستوى شخصية الإنسان في طبيعته وقدرته .
إن الآية التي أمامنا تحدد لنا المسألة ،كغيرها من الآيات المماثلة ،دون فرق بين أن تكون جواباً عن الفكرة التي تتطلب في النبيّ شخصية المَلَك ،وبين أن تكون جواباً عن الفكرة التي تتطلب فيه شخصية القادر على التغيير التكويني للواقع .
الرسل من قبلك رجال نوحي إليهم
{وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ} فهم لم يتميزوا بشخصيةٍ فوق إنسانيةٍ ،كما لم يملكوا قدرةً غير عادية ،بل كل ما اختلفوا به عن الناس الآخرين ،اتصالهمغير العاديبالله عن طريق الوحي .أما المعجزات التي تمثل الأعمال الخارقة للعادة ،فقد كانت حالةً طارئةً استثنائية اقتضتها ظروف التحدي التي سعت لإسقاط الرسالة أمام جماهير الناس البسطاء ،بما تملكه القوى المضادّة من قوّة طبيعية لا يملكها الأنبياء ،ما يجعلهم في موقع ضعف ينعكس على حركة الرسالة بين الناس .وكان الأنبياء يصرّحون بأن ذلك كان بقدرة الله ،لا بقدرتهم ،وبإذن الله ،لا بإمكاناتهم ،استجابة للظروف الطارئة التي فرضت ذلك ،أما في غير هذه الحالة ،فلا ضرورة للمعجزات ،ولهذا رفض الأنبياء المعجزات الاقتراحية ،في الوقت الذي لا فائدة من المعجزات الابتدائية ،بعيداً عن حالة التحدي العام ،لأن مهمة النبي هو أن يبلّغ الناس رسالة الله بالوسائل التي يستخدمونها عادة في الإقناع ،من حيث الأسلوب والمنهج ،بعيداً عن أيّة حالةٍ غيبيّةٍ ..وليس من مهمته أن يغيّر للكون نظامه ،أو يكشف للناس خفايا حياتهم ،أو ينبئهم بأحداث المستقبل ،إلا في نطاق ما أراد الله له أن يبيّنه من خلال وحيه له ،في كتابه ،أو في ما أراد له أن يبيّنه بطريقته الخاصة .
سؤال أهل الذكر
{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} ،فهذا هو طريق الحصول على المعرفة في شأن ما ،لا سبيل إلى تحصيله ذاتياً منها ،حيث قد يتوجب الرجوع إلى أهل الاختصاص ،لأنهم يملكون الإحاطة بالأشياء بكل دقةٍ ،ويستطيعون توضيح كثير من خفاياها ومشاكلها .ولهذا كان من الضروري ،للذين يؤمنون بالنبوّة من حيث المبدأ ،وبالأنبياء في التاريخ الذي سبقهم ،ويثيرون الشك في نبوّة محمد( ص ) لأنه لم يقم بما اقترحوه عليه من معجزات ،ولأنه ليس ملكاً من الملائكة ،أن يسألوا أهل الذكر ،ممن اختصوا بالعلم في الكتب السماويّة ،وعرفوا تاريخ الأديان وتاريخ الرسل ،ليعلّموهم ما لم يعلموا من خصائص الرسول الذاتية ،ليعرفوا أن محمداً( ص )لم يكن بدعاً من الرسل ،فلماذا يطلبون منه ما لم يكن في غيره ،إذا كانت طبيعة الرسالة لا تفرض ذلك ،ولم يكن الرسل السابقون قد فعلوا ذلك ؟