ولقد أشار سبحانه بعد ذلك إلى ما جاء به الرسل والأنبياء ،{ بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ( 44 )} .
بين هذه الجملة وما قبلها تمام الاتصال ، لأنها في معنى البيان لها ،{ بالبينات} ، متعلق بمحذوف دل عليه الكلام السابق ، أي أرسلناهم بالبينات ، وهي الآيات الدالة على رسالتهم ،{ والزبر} الزبر جمع زبور ، وهو الكتاب ، يقولون زبرت الكتاب إذا كتبته ، وقد قال تعالى:{ وكل شيء فعلوه في الزبر ( 52 )} [ القمر] وكما قال تعالى:{ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ( 105 )} [ الأنبياء] .
والمعنى أن هؤلاء أرسلوا رجالا ولا يكونون إلا رجالا مصحوبين بالبينات أي المعجزات الدالة على أنهم مبعوثون من عند الله ، وجاءتهم منهم الكتب التي تبين فيها الشرائع التي أراد الله تعالى أن يعلموها للناس ، وقد جئتهم بذلك وبالحق فما بهم يستنكفون عن قبول ما تدعوهم إليه ، ويعجبون من أن يجيئهم الحق من الله على لسان رجل منهم .
ثم قال تعالى:{ وأنزلنا إليك الذكر} ، الذكر هو القرآن الكريم ، وسمى القرآن هنا ذكرا ، لأنه مذكر الأنبياء السابقين ورسائلهم ، ما نسخ منها وما بقي ، ولأنه الذكر الدائم إلى يوم القيامة ، ولأن الذين نزل فيهم القرآن شهدوا على الناس بأن ما نزل إليهم من شرائع حق ، والله شهيد عليهم ، ألم تر إلى الذين ادعوا أنهم أتباع عيسى وحرفوا العقيدة ، وجعلوها وثنية مثلثة صحح القرآن عقيدتهم وردها إلى أصلها ، وشهد القرآن والمؤمنون بالصادق ، وبطل ما صنعوا وحرفوا وثلثوا .
وقوله تعالى:{ لتبين للناس ما نزل إليهم} ، ( اللام ) هنا لام العاقبة ، لتكون الثمرة والنتيجة والعاقبة أن تبين بالقرآن الذي نزل على قلبك للناس ما نزل إليهم من ربهم في الماضي والحاضر ، وما هو شريعة ربهم الأزلية الخالدة الباقية ، كما قال تعالى:{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه . . .( 13 )} [ الشورى] .
وقوله تعالى:{ ولعلهم يتفكرون} ، أي رجاء منهم أن يتفكرون ويتدبروا ويبتعدوا عن الجحود والكفر ، وكان العطف بالواو للدلالة على أن هذه غاية وثمرة للنزول كتبيين النبي صلى الله عليه وسلم .