قوله تعالى:{قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ( 110 ) وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا ( 111 )} ذكر عن ابن عباس في سبب نزول الآية ( قل ادعوا الله ) تهجد رسول الله ( ص ) ذات ليلة بمكة ،فجعل يقول في سجوده: يا رحمن ،يا رحيم .فقال المشركون: كان محمد يدعو إلها واحدا فهو الآن يدعو إلهين اثنين: الله والرحمن .ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ،يعنون مسيلمة الكذاب ،فأنزل الله تعالى هذه الآية{[2762]} .وفيها بيان بأن الله والرحمن اسمان لمسمى واحد فلا فرق يبن دعائكم أيها الناس باسم الله أو باسم الرحمن ؛فإن الله ذو الأسماء الحسنى ،ومن جملتها الله والرحمن .
وذلك قوله: ( أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) ( أيا ) ،منصوب بالفعل ( تدعو ) .و ( مّا ) زائدة للتأكيد .و ( تدعوا ) ،مجزوم بأي الشرطية .والفاء في قوله فله ،جواب الشرط{[2763]} .
قوله: ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) قال الإمام أحمد عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية ورسول الله ( ص ) متوار بمكة ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به .فقال الله تعالى لنبيه ( ص ): ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن ( ولا تخافت بها ) عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك .
وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: كان رسول الله ( ص ) إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه ؛فكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله ( ص ) بعض ما يتلو وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقا منهم ،فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ؛ذهب خشية أذاهم فلم يسمع ،فإن خفض صوته ( ص ) لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئا فأنزل الله ( ولا تجهر بصلاتك ) فيتفرقوا عنك ( ولا تخافت بها ) فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم ؛فلعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به{[2764]} .
قوله: ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) أي ابتغ سبيلا وسطا بين الجهر والمخافتة .والمخافتة معناها السكون وخفض الصوت .