يقول تعالى:قل يا محمد ، لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله - عز وجل - المانعين من تسميته بالرحمن:( ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) أي:لا فرق بين دعائكم له باسم "الله "أو باسم "الرحمن "، فإنه ذو الأسماء الحسنى ، كما قال تعالى:( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ) إلى أن قال:( له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) [ الحشر:22 - 24] .
وقد روى مكحول أن رجلا من المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول في سجوده:"يا رحمن يا رحيم "، فقال:إنه يزعم أنه يدعو واحدا ، وهو يدعو اثنين . فأنزل الله هذه الآية . وكذا روي عن ابن عباس ، رواهما ابن جرير .
وقوله:( ولا تجهر بصلاتك ) الآية ، قال الإمام أحمد:
حدثنا هشيم ، حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:نزلت هذه الآية وهو متوار بمكة ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) قال:كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ، وسبوا من أنزله ، ومن جاء به . قال:فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:( ولا تجهر بصلاتك ) أي:بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ) ولا تخافت بها ) عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك ) وابتغ بين ذلك سبيلا ) .
أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس به ، وكذا روى الضحاك عن ابن عباس ، وزاد:"فلما هاجر إلى المدينة ، سقط ذلك ، يفعل أي ذلك شاء ".
وقال محمد بن إسحاق:حدثني داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي ، تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه ، فكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو وهو يصلي ، استرق السمع دونهم فرقا منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ، ذهب خشية أذاهم فلم يستمع ، فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلم لم يستمع الذين يستمعون من قراءته شيئا ، فأنزل الله ) ولا تجهر بصلاتك ) فيتفرقوا عنك ) ولا تخافت بها ) فلا تسمع من أراد أن يسمعها ممن يسترق ذلك دونهم ، لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع ، فينتفع به ) وابتغ بين ذلك سبيلا )
وهكذا قال عكرمة ، والحسن البصري ، وقتادة:نزلت هذه الآية في القراءة في الصلاة .
وقال شعبة عن أشعث بن أبي سليم عن الأسود بن هلال ، عن ابن مسعود:لم يخافت بها من أسمع أذنيه .
قال ابن جرير:حدثنا يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين قال:نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته ، وأن عمر كان يرفع صوته ، فقيل لأبي بكر:لم تصنع هذا ؟ قال:أناجي ربي - عز وجل - وقد علم حاجتي . فقيل:أحسنت . وقيل لعمر:لم تصنع هذا ؟ قال:أطرد الشيطان ، وأوقظ الوسنان . قيل أحسنت . فلما نزلت:( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) قيل لأبي بكر:ارفع شيئا ، وقيل لعمر:اخفض شيئا .
وقال أشعث بن سوار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس:نزلت في الدعاء . وهكذا روى الثوري ، ومالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة:نزلت في الدعاء . وكذا قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو عياض ، ومكحول ، وعروة بن الزبير .
وقال الثوري عن [ ابن] عياش العامري ، عن عبد الله بن شداد قال:كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا:اللهم ارزقنا إبلا وولدا . قال:فنزلت هذه الآية:( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها )
قول آخر:قال ابن جرير:حدثنا أبو السائب ، حدثنا حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، نزلت هذه الآية في التشهد:( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها )
وبه قال حفص ، عن أشعث بن سوار ، عن محمد بن سيرين ، مثله .
قول آخر:قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله:( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال:لا تصل مراءاة الناس ، ولا تدعها مخافة الناس . وقال الثوري ، عن منصور ، عن الحسن البصري:( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) قال:لا تحسن علانيتها وتسيء سريرتها . وكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن ، به . وهشيم ، عن عوف ، عنه به . وسعيد ، عن قتادة ، عنه كذلك .
قول آخر:قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله:( وابتغ بين ذلك سبيلا ) قال:أهل الكتاب يخافتون ، ثم يجهر أحدهم بالحرف فيصيح به ، ويصيحون هم به وراءه ، فنهاه أن يصيح كما يصيح هؤلاء ، وأن يخافت كما يخافت القوم ، ثم كان السبيل الذي بين ذلك ، الذي سن له جبريل من الصلاة .