قوله تعالى:{أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا ( 68 ) أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ( 69 )} الهمزة في ( أفأمنتم ) للاستفهام الإنكاري ،والفاء للعطف على محذوف تقديره: أنجوتم فأمنتم ثم أعرضتم .وذلك بلاغ إنكاري من الله لأولئك الذين يخشون ربهم في البحر كلما دهمهم خوف من الغرق فيلجون بالدعاء إلى الله لينجيهم .حتى إذا نجاهم إلى البر وبلغوا السلامة والأمان نسوا خوفهم ودعاءهم وزهدوا في التذلل والتضرع إلى الله ،فيبين الله لهؤلاء مستنكرا وهو قوله: أفتحسبون بعد خروجكم إلى البر حيث السلامة والنجاة أنكم آمنون من عذاب الله ( أن يخسف بكم جانب البر ) الخسف والخسوف هو دخول الشيء في الشيء .خسف المكان خسفا أو خسوفا ؛أي غار في الأرض .خسفت عين الماء ؛غارت{[2713]} .ويخسف بكم جانب البر ؛أي يغيبكم في جانب البر وهو الأرض ؛فالله قادر على تغييبكم في البحر .وهو كذلك قادر على تغييبكم في البر .فالغرق تغييب تحت الماء ،وكذا الخسف تغييب تحت التراب .
والمراد أنكم إن أمنتم من هول البحر فما ينبغي أن تأمنوا من هول البر ؛فالله لا يعز عليه أن يسلط عليكم البلاء والتدمير حيثما كنتم فلا مناص لكم من قدر الله ولا ملجأ .
قوله: ( أو يرسل عليكم حاصبا ) الحاصب هي الريح التي ترمي الحصباء ،وهي صغار الحصى .فإذا لم يخسف الله بكم الأرض يرسل عليكم ريحا شديدة ترميكم بالحصباء فتبددكم وتستأصلكم كما فعل بقوم لوط ؛إذ أمطرهم الله بحجارة أهلكتهم إهلاكا .وليس لكم حينئذ من دون الله أيما نصير أو مجير يرد عنكم بأس الله .وهو قوله عز من قائل: ( ثم لا تجدوا لكم وكيلا ) أي ناصرا وحافظا .