وإذا كانوا قد أعرضوا بعد أن زالت عنهم شدة البحر ، فإن الله يذكرهم ، وهو العليم الحكيم أنه ينزل بهم الشدة في البر أيضا ، إذ هم في قبضة الله تعالى فيقول:
{ أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا ( 68 )} .
( الفاء ) عاطفة على فعل محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم . . . .والهمزة للاستفهام الإنكاري بمعنى إنكار الواقع ؛ لأنهم زعموا أنهم إذ نجوا الخسف في الأرض ، أو الريح الحاصب من السماء .
وإذا كان كذلك فهذا توبيخ لهم على هذا الغرور وظنهم الآمن المطلق بعد النجاة من البحر ، هكذا الغرور دائما تحكمه الساعة التي يكون فيها ، وهي التي توحى إليه بالغرور .
ومعنى قوله تعالى:{ أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر} ، أي أن غرورهم ليس في موضعه وأنهم أمنوا حيث لا مأمن ، وظنوا أنهم قد خرجوا عن قدرة الله تعالى مع أنهم قد دخلوا في قدرته ، وما هم بخارجين منها ، فإذا نجوا من البحر وأهواله ، ففي البر أهوال ، والخسف أن تنهار الأرض ، ويقال:بئر خسيف إذا انهدم أصلها ، وجانب البر ناحية الأرض ، والخسوف يقع في جانب منها ، ويقال الله تعالى في قارون عندما بغى على قومه:{ فخسفنا به وبداره الأرض . . .( 81 )} [ القصص] .
فإذا نجوا من البحر فلن ينجوا من خسف الأرض ، أو يرسل الله تعالى حاصبا ، أي ريحا شديدة ، وهي التي ترمى بالحصباء وهي الحصى الصغيرة ، والحجارة من السماء تحصبهم كما فعل بقوم لوط ، فقد جاء الخسف والحاصب معا ، قال الله تعالى:{ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ( 82 ) مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ( 83 )} [ هود] .
فجاءهم الخسف ، وجاءهم الريح الحاصب معا وكانوا يستحقون .
وقوله تعالى:{ جانب البر} منصوب مفعول ل{ يخسف} ، وعلل الزمخشري ذكر الجانب بقوله:"معناه أن الجوانب والجهات كلها في قدرته ، وله في كل جانب برا كان أو بحرا مرصد من أسباب الهلكة ليس جانب البحر وحده مختصا بذلك ، بل إن كان الغرق في جانب البحر ، ففي جانب البحر وحده مختصا بذلك ، بل إن كان الغرق في جانب البحر ، ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف ، فهو تغيب تحت التراب كما أن الغرق تغيب تحت الماء".
ويستفاد من هذا أن ذكر الجانب في البر في مواجهة الجانب من البحر ، وليس جزءا خاصا من الأرض إنما الأرض ، كلها جانب في مقابل جانب البحر كله ، وكان على العاقل المدرك أن يعرف أنه لا يغيب عن قدرة الله تعالى في بر أو بحر .
وإذا فهو تحت سلطان الله تعالى في البحر والبر ، فلا يتوهمن أنه يوجد من ينجيه من عذابه إلا إياه ، وليس لأحد قدرة في أن يمنع قدر الله تعالى فقال:{ ثم لا تجدوا لكم وكيلا} تتكلمون عليه ، ويصرف عنكم ما يقدره عليكم .