مع أنه قادر على إهلاكهم بعد وصولهم إلى البر ،بأن يخسف بهم جانب البر الذي يلي البحر فتبتلعهم الأرض ،أو يرسل عليهم حجارة من السماء فتهلكهم ،أو يعيدهم مرة أخرى في البحر فتغرقهم أمواجه المتلاطمة .كما قال هنا منكراً عليهم أمنهم وكفرهم بعد وصول البر{أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} وهو المطر أو الريح اللذين فيهما الحجارة{قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ} أي بسبب كفركم ؛فالباء سببية ،وما مصدرية .والقاصف: ريح البحار الشديدة التي تكسر المراكب وغيرها .ومنه قول أبي تمام:
إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت*** عيدان نجد ولا يعبأن بالرتم
يعني: إذا ما هبت بشدة كسرت عيدان شجر نجد رتماً كان أو غيره .
وهذا المعنى الذي بينه جل وعلا هنا من قدرته على إهلاكهم في غير البحر بخسف أو عذاب من السماءأوضحه في مواضع أخر ؛كقوله:{إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَآءِ} [ سبأ:9] الآية ،وقوله:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [ الأنعام: 65] ،وقوله:{أَءَمِنتُمْ مَّن في السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُمْ مِّن في السَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [ الملك: 16-17] ،وقوله «في قوم لوط »:{إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} [ القمر: 34] ،وقوله:{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ} [ الذاريات: 33] إلى غير ذلك من الآيات .والحاصب في هذه الآية قد قدمنا أنه قيل: إنها السحابة أو الريح ،وكلا القولين صحيح ؛لأن كل ريح شديدة ترمي بالحصباء تسمى حاصباً وحصبة .وكل سحابة ترمي بالبرد تسمى حاصباً أيضاً .ومنه قول الفرزدق:
مستقبلين شمال الشام يضربنا ***بحاصب كنديف القطن منثور
وقول لبيد:
جرت عليها أن خوت من أهلها ***أذيالها كل عصوف حصبه