قوله تعالى: ( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيئين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا} الإشارة ( أولئك ) تعود إلى النبيين المذكورين في هذه السورة من زكريا إلى إدريس .وقوله: ( من ذرية آدم ) المراد به إدريس وحده .وقوله: ( وممن حملنا مع نوح ) يراد به إبراهيم وحده .وقوله: ( ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل ) يراد به موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى ابن مريم ؛لأن مريم من ذرية يعقوب .
وبذلك كان لإدريس ونوح شرف القرب من آدم ،ولإبراهيم شرف القرب من نوح ،ولإسماعيل وإسحاق ويعقوب شرف القرب من إبراهيم .
قوله: ( وممن هدينا واجتبينا ) أي ومن جملة من هديناه إلى الحق واخترناه للنبوة ( وإذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا ) ( سجدا وبكيا ) منصوبان على الحال .و ( بكيا ) ،جمع باكٍ{[2906]} .
هؤلاء المصطفون الأخيار ،والصالحون الأبرار كانوا أهل خشوع وورع وإنابة وهم لفرط خشيتهم لله وتعلق قلوبهم بجلاله العظيم ،إذ تتلى عليهم آيات من كتاب الله يسقطون ساجدين باكين مستذكرين عظمة الرحمن في نفوسهم ،وخاشعين مما يجدونه في آيات الله من ساطع الأدلة وظاهر البراهين .
وإذا ذكر الخشوع بسبب التلاوة لآيات الله ذكرنا آيات القرآن المجيد .هذا الكتاب المتفرد في طابعه وأسلوبه وطريقة نظمه للعبارات والكلمات وما يجلله من روعة الإيقاع وحلاوة النغم ،لا جرم أنه في غاية الجمال والجلال ؛إذ ينفذ إلى القلوب والأذهان ليفيض عليها من شآبيب النداوة والحلاوة ما يثير فيها مزيجا عجيبا من الإحساس بالحبور والورع والبهر والذعر{[2907]} .