{واجتبينا}: اصطفينا .
{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم} وهم هؤلاء الذين تقدمت الإشارة إليهم ،مما قصه الله من أمرهم ،بالإجمال أو بالتفصيل ،وهم زكريا ،ويحيى ،ومريم ،وعيسى ،وإبراهيم ،وإسحاق ،ويعقوب ،وموسى ،وهارون ،وإسماعيل ،وإدريس ،الذين أنعم الله عليهم بالإيمان التوحيدي الخالص الذي ينفتح على الله بروحية العبد الطائع الذي أخلص لله في العقيدة وفي الطاعة ،وأعطى من فكره وعمله ،فلم يُغضب الله لتمرده ولا لضلاله ،و{مِّنَ النَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} من البقية الصالحة من المؤمنين الخالصين الذين آمنوا بنوح النبي واتبعوه ،{وَمِن ذُرِّيَّةِ إبراهيم وَإِسْرَائيلَ} الذين امتدت النبوة فيهم وتحولت إلى خط متحرك في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ،{وَمِمَّنْ هَدَيْنَا واجتبينا} من الذين هداهم الله بما أفاض عليهم من نور البصيرة ،وانفتاح العقل ،وصفاء الروح ،ومسؤولية الحركة ،واستقامة الطريق ،ووضوح الهدف ،وتقوى الفكر والعمل .
وقد يكون المراد من كل هؤلاء ،هم النبيون الذين أنعم الله عليهم ،كما قد يفهم من قوله تعالى:{مِّنَ النَّبِيِّيْنَ} حيث حددت المشار إليهم بالنبيين ،ولكننا عندما نلاحظ ذكر اسم مريم ،وهي ليست من الأنبياء ،فقد نستوحي من ذلك أن المسألة أشمل من ذلك ،وتكون الإشارة إلى هؤلاء على أساس أنهم يمثلون النموذج الأكمل للمهتدين الذين أنعم الله عليهم بالإيمان والتقوى ،واجتباهم لرسالته ولدينه .
{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً} في ما يمثله السجود من خضوع لله في الشعور العميق بالعبودية ،وفي ما يعبر عنه البكاء من إحساس بالروحية الفيّاضة الخاشعة أمام خوف الله ومحبته ،في انفعال إيماني عميق بالمضمون الروحي لآيات الله ،والإشراق الفكري لمعانيها .وهكذا كان هؤلاء الروّاد طليعة البشرية في حركة التسامي والعلاء ،والصفاء الروحي ،والإسلام لله ،ولكن الجيل الآتي من بعدهم ،لم ينفعل بهم ،ولم يسلك طريقهم ،ولم يحمل رسالتهم ،ولم يتحمل مسؤوليتهم ،بل كان سائراً في خط الانحراف .