وقوله{ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} الكافرون من المشركين واليهود لا ينظرون للمسلمين دائما إلا بعين الكراهية والحسد ،وهم جميعا لا يتمنون للمسلمين إلا التعثر والبلاء .وبذلك فهم لا يودون أن ينزل عليهم من خير .والمقصود به القرآن العظيم ؛لما ينطوي عليه من أسباب القوة والعزة للمسلمين ،ولأن القرآن موئل الكرامة والشرف والنجاة في هذه الدنيا ويوم تقوم الساعة ،بل إن القرآن الكريم لهو جِماع الخير كله بكل ما تتناوله هذه الكلمة من معاني التعاون والتآزر والاستعلاء .وكذلك الوحدة الكاملة الشاملة الذي يتلاقى في خضمها المسلمون جميعا من غير تمييز ،ثم الجهاد الذي يفرضه القرآن على المسلمين ؛كيلا ينزل بساحتهم شر أو ذلة .وهذه المعاني وغيرها من أطراف الخير والخلق والقوة قد رسخها القرآن في واقع المسلمين ،وأوجبها عليهم إيجابا ؛ولأجل ذلك ما يود الكافرون من مشركين وأهل كتاب أن يكون هذا الكتاب الحكيم المعجز بين ظهراني المسلمين ،بل يرغبون دائما أن يزول من الوجود كل معْلم من معالم هذا الكتاب وإذ ذاك يستريحون ويطمئنون .
قوله:{والله يختص برحمته من يشاء} الله جلت قدرته يختار لرسالته ودينه من يصطفي من العباد .فقد اختار من بين الأمم لحمل هذا الدين العظيم هذه الأمة التي جعلها خير أمة أخرجت للناس ،واصطفى من بين العباد هذا النبي الأمي محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ليكون أول مبلغ للرسالة فقام في الناس على خير ما يكون عليه التبليغ والأداء من غير تقصير ،عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام .
والله سبحانه هو المتفضل المنّان الذي ملأت آلاؤه أرجاء الوجود جميعا بما في الوجود من ملائكة وجن وإنس وكائنات{والله ذو الفضل العظيم} .