ثم قال تعالى{ ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} يقول تعالى للمؤمنين:إن هؤلاء الذين علمتم شأنهم مع أنبيائهم حسدة ، لا يلتفت إلى تكذيبهم ولا يبالي بعدوانهم ، ولا يضركم كفرهم وعنادهم ، فهم لحسدهم لا يودون أن ينزل عليكم أدنى خير من ربكم ، والقرآن أعظم الخيرات ، لأنه النظام الكامل ، والفضل الشامل ، والهداية العظمى ، والآية الكبرى ، جمع شملكم ، ووصل حبلكم ، ووحد شعوبكم وقبائلكم ، وطهر عقولكم من نزغات الوثنية ، وزكى نفوسكم من أدران الجاهلية ، وأقامكم على سنن الفطرة ، وشرع لكم الحنيفية السمحة ، فيكف لا يحرق الحسد عليه أكبادهم ويخرج أضغانهم عليكم وأحقادهم ؟
( أقول ) الود محبة الشيء وتمني وقوعه ، يطلق على كل منهما قصدا ، وعلى الآخرين تبعا .ويكون مفعول الأول مفردا والثاني جملة ، ونفيه بمعنى الكراهة فالمعنى ما يحب الذين كفروا من اليهود والنصارى ولا من المشركين أن ينزل عليكم أدنى خير من ربكم .أما أهل الكتاب ولا سيما اليهود فلحسدهم للعرب أن يكون فيهم الكتاب والنبوة وهو ما كانوا يحتكرونه لأنفسهم ، وأما المشركون فلأن في التنزيل المرة بعد المرة من قوة الإسلام ورسوخه وانتشاره ما خيب آمالهم في تربصهم الدوائر بالنبي صلى الله عليه وسلم وانتهاء أمره .
ثم إن الله تعالى رد عليهم بما بين جهلهم وجهل جميع الحاسدين فقال{ والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم} أي أن الحاسد لغباوته وفساد طويته يكون ساخطا على الله تعالى ومعترضا عليه أن أنعم على المحسود بما أنعم ، ولا يضر الله تعالى سخط الساخطين ، ولا يحول مجاري نعمه حسد الحاسدين فالله يختص برحمته من يشاء من عباه ، والله ذو الفضل العظيم – أسند كلا من هذين الأمرين إلى اسم الذات الأعظم لبيان أنهما حقه لذاته فليس لأحد من عبيده أدنى تأثيره في منحهما ولا في منعهما .