{ ( 106 ) ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ( 107 ) ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( 108 ) أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ؟ ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل} .
قال أئمة اللغة:إن أصل النسخ النقل سواء كان نقل الشيء بذاته ، كما يقال:نسخت الشمس الظل:أي نقلته من مكان إلى مكان ، أو نقل صورته ، كما يقال:نسخت الكتاب:إذا نقلت عنه سورة مثل الأولى ، وورد:نسخت الريح الأثر:أي أزالته .وأصل النسيان الترك أو هو غايته اللازمة له ، ومنه قوله تعالى{ أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} أي تركتها بترك العمل بها فجزاؤك أن تترك في العذاب فاحفظ المعنى اللغوي .
( الأستاذ الإمام ) للمفسرين في تفسير هذه الآية طريقان .أحدهما:أنها على حد قوله تعالى{ 16:101 و إذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر} فالنسخ هنا بمعنى التبديل أي إذا جعلنا آية بدلا من آية فإننا نجعل هذا البدل خيرا من المبدل منه أو مثله على الأقل ، فالآية عند هؤلاء في نسخ التلاوة ، وقالوا إن المراد بالنسيان هو أن يأمر الله تعالى بعدم تلاوة الآية فتنسى بالمرة .
( قال ) وهذا بمعنى التبديل ، فما هي الفائدة في عطفه عليه بأو ؟ وهل هو إلا تكرار يجل كلام الله عنه ؟
وثانيهما:أن المراد نسخ حكم الآية وهو عام يشمل نسخ الحكم وحده ونسخه مع التلاوة ، وهذا هو القول المختار للجمهور ، وقالوا في توجيهه:إنه لا معنى لنسخ الآية في ذاتها ولا حاجة إليه وإنما الأحكام تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال ، فإذا شرع حكم في وقت لشدة الحاجة إليه ثم زالت الحاجة في وقت آخر فمن الحكمة أن ينسخ الحكم ويبدل بما يوافق الوقت الآخر فيكون خيرا من الأول أو مثله في فائدته من حيث قيام المصلحة به .وقالوا إن المراد بالإنساء إزالة الآية من ذاكرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اختلف في هذا أيكون بعد التبليغ أم قبله ؟ فقيل بعده كما ورد في أصحاب بئر معونة{[33]} وقيل قبله حتى أن السيوطي روى في أسباب النزول أن الآية كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلا فينساها نهارا فحزن لذلك فنزلت الآية .قال الأستاذ الإمام:ولا شك عندي في أن هذه الرواية مكذوبة وأن مثل هذا النسيان محال على الأنبياء عليهم السلام لأنهم معصومون في التبليغ والآيات الكريمة ناطقة بذلك كقوله تعالى{ إن علينا جمعه وقرآنه} وقوله{ أنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقد قال المحدثون والأصوليون:أن من علامة وضع الحديث مخالفته للدليل القاطع عقليا كان أو نقليا كأصول الاعتقاد وهذه المسألة منها فإن هذا النسيان ينافي العصمة المجمع عليها .
وقالوا في تفسير قوله تعالى بعد ما ذكر{ ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير} إنه ورد مورد الاستدلال على القدرة على النسخ بالمعنى الذي قالوه أي أنه لا يستنكر على الله كما زعم اليهود لأنه مما تناله قدرته ثم استدل على ذلك بقوله{ ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض} الآية .
/خ108