قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( ما ننسخ من آية ) ما نبدل من آية .
وقال ابن جريج ، عن مجاهد:( ما ننسخ من آية ) أي:ما نمح من آية .
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( ما ننسخ من آية ) قال:نثبت خطها ونبدل حكمها . حدث به عن أصحاب عبد الله بن مسعود .
وقال ابن أبي حاتم:وروي عن أبي العالية ، ومحمد بن كعب القرظي ، نحو ذلك .
وقال الضحاك:( ما ننسخ من آية ) ما ننسك . وقال عطاء:أما ( ما ننسخ ) فما نترك من القرآن . وقال ابن أبي حاتم:يعني:ترك فلم ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال السدي:( ما ننسخ من آية ) نسخها:قبضها . وقال ابن أبي حاتم:يعني:قبضها:رفعها ، مثل قوله:الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة . وقوله:"لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا ".
وقال ابن جرير:( ما ننسخ من آية ) ما ينقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره ، وذلك أن يحول الحلال حراما والحرام حلالا والمباح محظورا ، والمحظور مباحا . ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة . فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ . وأصل النسخ من نسخ الكتاب ، وهو نقله من نسخة أخرى إلى غيرها ، فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره ، إنما هو تحويله ونقل عبادة إلى غيرها . وسواء نسخ حكمها أو خطها ، إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة . وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ ، والأمر في ذلك قريب ; لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء ، ولخص بعضهم أنه رفع الحكم بدليل شرعي متأخر . فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل ، وعكسه ، والنسخ لا إلى بدل . وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوط في فن أصول الفقه .
وقال الطبراني:حدثنا أبو شبيل عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا أبي ، حدثنا العباس بن الفضل ، عن سليمان بن أرقم ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال:قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرءان بها ، فقاما ذات ليلة يصليان ، فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنها مما نسخ وأنسي ، فالهوا عنها ". فكان الزهري يقرؤها:( ما ننسخ من آية أو ننسها ) بضم النون خفيفة . سليمان بن أرقم ضعيف .
[ وقد روى أبو بكر بن الأنباري ، عن أبيه ، عن نصر بن داود ، عن أبي عبيد ، عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يونس وعبيد وعقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف مثله مرفوعا ، ذكره القرطبي] .
وقوله تعالى:( أو ننسها ) فقرئ على وجهين:"ننسأها وننسها ". فأما من قرأها:"ننسأها "بفتح النون والهمزة بعد السين فمعناه:نؤخرها . قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( ما ننسخ من آية أو ننسئها ) يقول:ما نبدل من آية ، أو نتركها لا نبدلها .
وقال مجاهد عن أصحاب ابن مسعود:( أو ننسئها ) نثبت خطها ونبدل حكمها . وقال عبيد بن عمير ، ومجاهد ، وعطاء:( أو ننسئها ) نؤخرها ونرجئها . وقال عطية العوفي:( أو ننسئها ) نؤخرها فلا ننسخها . وقال السدي مثله أيضا ، وكذا [ قال] الربيع بن أنس . وقال الضحاك:( ما ننسخ من آية أو ننسئها ) يعني:الناسخ من المنسوخ . وقال أبو العالية:( ما ننسخ من آية أو ننسئها ) أي:نؤخرها عندنا .
وقال ابن حاتم:حدثنا عبيد الله بن إسماعيل البغدادي ، حدثنا خلف ، حدثنا الخفاف ، عن إسماعيل يعني ابن مسلم عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:
خطبنا عمر ، رضي الله عنه ، فقال:يقول الله عز وجل:( ما ننسخ من آية أو ننسها ) أي:نؤخرها .
وأما على قراءة:( أو ننسها ) فقال عبد الرزاق ، عن قتادة في قوله:( ما ننسخ من آية أو ننسها ) قال:كان الله تعالى ينسي نبيه ما يشاء وينسخ ما يشاء .
وقال ابن جرير:حدثنا سواد بن عبد الله ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا عوف ، عن الحسن أنه قال في قوله:( أو ننسها ) قال:إن نبيكم صلى الله عليه وسلم أقرئ قرآنا ثم نسيه .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا ابن نفيل ، حدثنا محمد بن الزبير الحراني ، عن الحجاج يعني الجزري عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال:كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار ، فأنزل الله ، عز وجل:( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها )
قال أبو حاتم:قال لي أبو جعفر بن نفيل:ليس هو الحجاج بن أرطاة ، هو شيخ لنا جزري .
وقال عبيد بن عمير:( أو ننسها ) نرفعها من عندكم .
وقال ابن جرير:حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة قال:سمعت سعد بن أبي وقاص يقرأ:"ما ننسخ من آية أو تنسها "قال:قلت له:فإن سعيد بن المسيب يقرأ:"أو تنسها ". قال:فقال سعد:إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب ، قال الله ، جل ثناؤه:( سنقرئك فلا تنسى ) [ الأعلى:6] ( واذكر ربك إذا نسيت ) [ الكهف:24] .
وكذا رواه عبد الرزاق ، عن هشيم وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي حاتم الرازي ، عن آدم ، عن شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، به . وقال:على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
قال ابن أبي حاتم:وروي عن محمد بن كعب ، وقتادة وعكرمة ، نحو قول سعيد .
وقال الإمام أحمد:أخبرنا يحيى ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال:قال عمر:علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا ، وإنا لندع بعض ما يقول أبي ، وأبي يقول:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فلن أدعه لشيء . والله يقول:( ما ننسخ من آية أو ننسأها نأت بخير منها أو مثلها ) .
قال البخاري:حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال:قال عمر:أقرؤنا أبي ، وأقضانا علي ، وإنا لندع من قول أبي ، وذلك أن أبيا يقول:لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد قال الله:( ما ننسخ من آية أو ننسها )
وقوله:( نأت بخير منها أو مثلها ) أي:في الحكم بالنسبة إلى مصلحة المكلفين ، كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:( نأت بخير منها ) يقول:خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم .
وقال أبو العالية:( ما ننسخ من آية ) فلا نعمل بها ، ( أو ننسأها ) أي:نرجئها عندنا ، نأت بها أو نظيرها .
وقال السدي:( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول:نأت بخير من الذي نسخناه ، أو مثل الذي تركناه .
وقال قتادة:( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول:آية فيها تخفيف ، فيها رخصة ، فيها أمر ، فيها نهي .