قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم} خير ما جاء في تأويل هذه الآية ما قاله ابن عباس- رضي الله عنهما-: كان المسلمون يقولون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ): راعنا على جهة الطلب والرغبة من المراعاة ،أي التفت إلينا وكان هذا بلسان اليهود سبا ،أي اسمع لا سمعت ،فاغتنموها وقالوا: كنا نسبّه سرا فالآن نسبه جهرا ،فكانوا يخاطبون بها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويضحكون فيما بينهم ،فسمعها سعد بن معاذ وكان يعرف لغتهم فقال لليهود: عليكم لعنة الله !لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأضربن عنقه ،فقالوا: أو لستم تقولونها ؟فنزلت الآية ونُهوا عنها ؛لئلا تقتدي بها اليهود في اللفظ وتقصد المعنى الفاسد فيه{[106]} .
وفي تأويل آخر أن اليهود إذا أرادوا أن يقولوا اسمع لنا .قالوا: راعنا .وذلك على سبيل التورية فهم يقصدون من"راعنا "الرعونة وليس المراعاة أو الالتفات إليهم .فوافق ذلك ما كانوا يقولونه بلغتهم مما يعني الرعونة ومنها الأرعن أي الخفيف السفيه المتطيش .وحاشا لله !فما كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلا القمة البالغة في سعة الإدراك ،وفرط العبقرية والذكاء ،وتمام الحكمة والاتزان ،وجمال الخلق والطبع ،وروعة الشجية والفطرة .
وهذان القولان في تأويل هذه الآية متكاملان متقاربان وقد تضمنتهما بتفصيل أكثر آية النساء{من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكنا خيرا لهم وأقوم} .
وعلى هذا فقد أمر الله المسلمين ألا يقولوا للنبي{راعنا} ولكن يقولوا{انظرنا} أي أقبل علينا وانظر إلينا ؛لما في ذلك من جلال الخطاب الذي يتحقق به الاحترام للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بدلا من الكلمة المريبة تندلق من أفواه يهود وهي تحتمل الخبيث من المقصود نحو النبي الكريم
( صلى الله عليه وسلم ) .
ثم يؤكد الله على السمع ،ويحذر من معصية أمره سبحانه ،فإن معصيته تسوق إلى العذاب الذي سيمنى به الكافريون{واسمعوا وللكافرين عذاب أليم} أي وأحسنوا سماع ما يكلمكم به نبيكم بآذان واعية وقلوب حاضرة ؛حتى لا تحتاجوا إلى الإعادة وطلب المراعاة .