وإن اليهود دائما عشراء سوء ، فكانوا يغمزون في القول دائما بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم كان المؤمنون يتوجهون إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبين إرشاده وتوجيهه ودعاءه فكانوا يقولون{ راعنا} وأصل راعنا مفاعلة من رعى يرعى ، ومعنى المفاعلة راعنا بالقول الموجه الرشد نرعك بالاستماع والإنصات ، فإنك هادينا ومرشدنا وقد تفيد معنى اتجه إلينا ، ولقد روي عن ابن عباس في تفسير كلمة{ راعنا} أنه قال:"كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم راعنا على جهة الطلب والرغبة من المراعاة أي التفت إلينا ، وكان هذا بلسان اليهود سبا أي اسمع لا سمعت فانتهزها اليهود وقالوا:كنا نسبه سرا فالآن نسبه جهرا .
كانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويضحكون فيما بينهم فسمعها سعد بن معاذ وكان يعرف لغتهم فقال لليهود:عليكم لعنة الله لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه ، فقالوا أو لستم تقولونها فنزل قوله:{ يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا} .
نهاهم الله تعالى عن قول راعنا لأن اليهود فسروها بما يدل على السب كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه ولووا بها ألسنتهم بما يدل على أن معناها رعونة من القائل والمخاطب الكريم ، ولقد صرح سبحانه وتعالى في موضع آخر بلي ألسنتهم فقال تعالت كلماته:{ من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ( 46 )} [ النساء] .
كانوا يقولون:{ راعنا} يقصدون الرعونة ، بمعنى عدم الاستقرار الفعلي والفكري فأمر الله المؤمنين أن يتوقوا هذه الكلمة وأن يقولوا انظرنا بمعنى اشملنا بنظرتك وإرشادك وتوجيهك ، وأمرهم مع ذلك بأن يسمعوا للرسول إرشاده وتوجيهه .
وإن ذلك يفيد أمرين:
أحدهما – إرشاد المؤمنين بأن يتخيروا العبارات التي لا تثير حولها المرتابين إلى ما يتعدى مقاصدهم ، وما يحرفونها عن مقصودها ، وأن يتخيروا جميل الألفاظ التي لا يؤذي جرسها الأسماع .
الأمر الثاني – أنه يجب الأخذ بسد ذرائع فساد الفهم ، وما يؤدي إلى الغمز في القول ، وإخراج الكلام عن معناه ، وتعدي مقصده .
بل إن بعض المشتغلين بالفقه قال:"إنها دليل على الأخذ بمبدأ سد الذرائع الذي يقوم على أن الذرائع أو الوسائل تأخذ حكم ما تؤدي إليه ، فما يؤدي إلى المطلوب يكون مطلوبا ، وما يؤدي إلى الممنوع يكون ممنوعا"وإن لذلك وجها من القول ، فإن نهي الله تعالى عن أن يقولوا{ راعنا} سد لفساد اليهود الذين يغمزون في القول ، ويتهكمون بهذا على المؤمنين ، وعلى مقام النبوة السامي الجليل .
ولقد ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالى:{ وللكافرين عذاب أليم} والمراد من الكافرين اليهود الذين لووا ألسنتهم غمزا واستهزاء ، وقد أظهر في موضع الإضمار لتسجيل الكفر عليهم ولبيان السبب في عذابهم فهم كافرون بما كان منهم ، وجحودهم للنبوة المحمدية وإنكارهم للقرآن الكريم ونبذهم له وراءهم ظهريا ، والكافر له عذاب أليم ، وأليم بمعنى مؤلم ، وتنكيره للدلالة على أنه عذاب أليم لا يدرون كنهه ، ولا حقيقته .